الاتفاق السياسي في الصومال: اختبار للقيادة وبقاء الوطن(مقال رأي)

بقلم/عمر عبدلّي محمد .

يقف الصومال اليوم على مفترق طرق حاسم. فالمحادثات الجارية بين حكومة الرئيس حسن شيخ محمود ومنتدى الإنقاذ الصومالي تمثل فرصة نادرة ومصيرية، قد تعيد رسم ملامح المستقبل السياسي للبلاد، أو تنزلق إلى سجل الإخفاقات المتكررة.

هذه ليست مجرد لفتة رمزية أو مصافحة عابرة، بل لحظة تاريخية يلتقي فيها أكبر قوتين سياسيتين في البلاد على طاولة واحدة، بعيداً عن لغة الاتهامات والتحالفات الانقسامية. والرهان هذه المرة أكبر من أي وقت مضى.

لقد سئم الشعب الصومالي من المشاهد السياسية العبثية التي لم تُترجم يوماً إلى تحسن في حياته اليومية. سنوات من الخلافات بين القادة، بينما بقيت القضايا الجوهرية — من إنعاش الاقتصاد، وتعزيز الأمن، واستكمال الدستور — في الهامش. أما اليوم، فإن الاتفاق، إذا طُبّق بجدية، قد يفتح الباب لتغيير هذا المسار.

لكن النجاح مرهون بتجاوز ثلاثة اختبارات أساسية:
أولها الثقة — وهي عملة نادرة في السياسة الصومالية. فالمشهد السياسي ظل محكوماً بعقلية “المعادلة الصفرية” التي ترى في التنازل ضعفاً. على الطرفين الاعتراف بشرعية بعضهما، وخفض حدة الخطاب، وإثبات الالتزام بالأفعال لا الأقوال.

ثانيها المضمون — فالبيانات الفضفاضة بلا خطة واضحة لا تعني شيئاً. الشعب الصومالي يستحق رؤية خارطة طريق تحدد كيف سيُستكمل الدستور، وكيف ستوزع الصلاحيات بين الحكومة الفيدرالية والولايات، وكيف ستعمل السلطة القضائية، وكيف سيُضمن تمثيل جميع الأطراف، خاصة المهمّشة منها.

ثالثها، إنهاء حالة الشلل المؤسسي — من ازدواجية الحكومات، وتضارب الجهود الأمنية، والصراعات القضائية المستمرة. على المنتدى أن يثبت التزامه ببناء الدولة عبر دعم المؤسسات الوطنية، وعلى الحكومة أن ترى في المعارضة شريكاً في مسار النهوض، لا خصماً.

وقبل كل شيء، ينتظر الشعب نتائج ملموسة: خدمات أفضل، فرص عمل، وأمن مستقر. فالخطابات السياسية التي لا تنعكس على حياة الناس ستظل كلاماً في الهواء.

كما أن أنظار المجتمع الدولي مركّزة على ما يجري. فالتوافق السياسي يمكن أن يفتح الباب أمام دعم اقتصادي كبير، ويعزز مكانة الصومال دبلوماسياً، ويحد من التدخلات الخارجية. أما الفشل فسيعمّق فجوة الثقة داخلياً ويضعف المساندة الدولية.

لقد شهدنا في السابق اتفاقات كبرى انتهت إلى الانقسام. هذه اللحظة يجب أن تكسر تلك الحلقة، فالقضية ليست مكسباً سياسياً لأحد، بل تتعلق بمصير الوطن بأسره.

إن الرئيس حسن شيخ محمود ومنتدى الإنقاذ الصومالي أمام اختبار حاسم للقيادة والرؤية والشجاعة. والسؤال: هل سينجح الصومال في تجاوز عقدة الشك المتبادل وبناء دولة تخدم مواطنيها حقاً؟

التاريخ سيحكم إن كانت هذه اللحظة بداية طريق الوحدة… أم آخر فرصة ضائعة.

المستقبل بين أيدينا

الأستاذ عمر عبدلّي محمد” هو محلل صومالي مختص في قضايا الحوكمة والتحول السياسي.
البريد الإلكتروني: omardhagey@gmail.com
ملاحظة: تعبر هذه المقالة عن رأي كاتبها، ولا تمثل بالضرورة موقف “بوابة الصومال” أو أي جهة يعمل فيها.