نداء إلى البرلمان: لماذا يحتاج الصومال إلى قانون ينظّم المعلومات الرسمية؟ (مقال رأي)

بقلم: حسين شيخ علي*

أكتب هذه السطور لا بصفتي مسؤولًا حكوميًا، بل كمواطن خَبِر مؤسسات الدولة من الداخل وعرف نقاط ضعفها وقوتها. خلال سنوات عملي مستشارًا للأمن القومي انشغل مكتبي بإصلاحات عميقة تعزز بناء الدولة الصومالية، وكان في مقدمتها مشروع اعتبرته حجر أساس: قانون المعلومات الرسمية.

هذا المشروع لم ينشأ من فراغ؛ بل جاء ثمرة مشاورات واسعة مع الوزارات والقانونيين ومنظمات المجتمع المدني وحتى الصحفيين. أعددناه في مكتبي، وتولت وزارة الإعلام والثقافة والسياحة قيادته بحكم اختصاصها.

قانون غير مسبوق

منذ الاستقلال لم يعرف الصومال إطارًا تشريعيًا واضحًا ينظم الأسرار الرسمية وحق الحصول على المعلومات. اكتفينا بنصوص متناثرة في قوانين مختلفة، ما جعل السرية مفهومًا مطاطًا يُستخدم أحيانًا لغايات سياسية أو شخصية. وفي المقابل، تُركت المعلومات الحساسة فعلًا بلا حماية كافية، فيما تُتخذ قرارات مصيرية خلف أبواب مغلقة، بعيدًا عن أعين الشعب، ما أضعف الثقة في مؤسسات الدولة.

القانون المقترح سيضع لأول مرة حدودًا واضحة بين ما هو سري وما هو متاح للجمهور، ويكرّس حق المواطنين في الاطلاع على المعلومات وفق الدستور، ويحمي في الوقت نفسه ما يجب أن يبقى محميًا.

التصاريح: مدخل للانضباط المؤسسي

أهم ما في المشروع إدخاله نظام التصاريح الأمنية (Clearance) كآلية تحكم الاطلاع على المعلومات. مستوى التصريح الممنوح لأي موظف سيحدد نوع الملفات التي يمكنه الوصول إليها والاجتماعات التي يحق له حضورها. بذلك تنتقل الدولة من المحسوبية والارتجال إلى العمل المؤسسي والانضباط الوظيفي، ويعرف كل مسؤول حدوده بدقة.

حماية المواطنين من التعسف

يمنح المشروع المواطنين والصحفيين حقًا واضحًا في الحصول على المعلومات. أي رفض للطلب يجب أن يكون مكتوبًا ومعللًا قانونيًا، مع إمكانية الطعن أمام القضاء. بذلك تُنهي الدولة حالة الخوف من اتهامات فضفاضة بتسريب أسرار وتوقف استخدام السرية كسلاح ضد المنتقدين.

إنهاء ثقافة الغموض

غياب قانون واضح شكّل بيئة خصبة للفساد وتمرير العقود المريبة وإقصاء البرلمان عن الاطلاع على الاتفاقيات المهمة. المشروع الجديد يفرض على المؤسسات حفظ الأرشيفات بشكل منظم، ونشر الميزانيات والسياسات بصورة استباقية، والرد على طلبات المعلومات بانضباط، بما يكرس الشفافية ويعزز المساءلة.

توازن بين الأمن والانفتاح

القانون لا يفرّط بالأمن القومي، بل ينظمه ويحصّنه. فهو يحدد مستويات السرية ويجرّم الإهمال والخيانة، وفي الوقت نفسه يمنع التستر على الفساد وانتهاكات الحقوق بذريعة الأمن. إنه يحقق التوازن الذي اعتمدته الدول الراسخة بين السرية المشروعة والحق العام في المعرفة.

نداء إلى البرلمان والحكومة والمجتمع المدني

إلى مجلسي الشعب والشيوخ: أنتم أمام فرصة تاريخية. إقرار هذا القانون يعزز سلطاتكم الرقابية ويؤسس لمساءلة حقيقية للسلطة التنفيذية. لا تتعاملوا معه كمجرد قانون عادي؛ إنه تشريع تأسيسي سيذكره التاريخ.

إلى وزارة الإعلام والثقافة والسياحة: هذا مشروعكم بالاسم والروح. تبنوه ودافعوا عنه وعرّفوا الناس بأهميته. لا تسمحوا له أن يظل حبيس الأدراج.

إلى الصحفيين والباحثين ومنظمات المجتمع المدني: هذا القانون سلاحكم ودرعكم معًا. به تحصلون على المعلومات وتراقبون الأداء الحكومي وتحمون حق الجمهور في المعرفة.

خاتمة: الجمهورية تحتاج إلى الضوء

عانى الصومال طويلًا من حكم الظلال—سرية، غموض، وانعدام هيكلية واضحة. مشروع قانون المعلومات الرسمية فرصة لوضع قواعد واضحة، تحمي ما يجب أن يُحمى وتكشف ما يجب أن يُعرف، وتعيد بناء الثقة بين الحكومة والشعب.

هذا القانون ليس مجرد تشريع إداري، بل تحول ثقافي يضعنا على طريق جمهورية الشفافية والمساءلة، ويمنح المواطنين أول حقوقهم: أن يعرفوا.

——————

حسين شيخ علي هو المستشار السابق للأمن القومي في الصومال.

نشر هذا المقال باللغة الإنجليزية في منصة ” دوان أفريكا” والترجمة والتلخيص من ” بوابة الصومال”

** الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر «بوابة الصومال»