نيروبي (بوابة الصومال) – أعلن الرئيس الكيني ويليام روتو الحداد الوطني لمدة سبعة أيام على وفاة رايلا أودينغا، رئيس الوزراء الأسبق وزعيم المعارضة التاريخي، الذي رحل في الهند عن عمر ناهز الثمانين عاماً.
وستُرفع الأعلام الوطنية في جميع أنحاء البلاد وفي البعثات الدبلوماسية نصف السارية، فيما بدأت الاستعدادات لتنظيم جنازة رسمية كبرى.
قام الرئيس روتو، يرافقه عدد من وزرائه، بزيارة منزل أسرة أودينغا في حي كارين بالعاصمة نيروبي لتقديم العزاء إلى أرملته إيدا أودينغا وأفراد العائلة، وكان في استقباله شقيق الراحل الدكتور أوبورو أودينغا وعدد من قيادات حزب المعارضة (ODM).
وقال الرئيس روتو في كلمة مؤثرة “رايلا كان مناضلاً شجاعاً من أجل الديمقراطية، ودوره في تشكيل هوية كينيا السياسية الحديثة سيبقى خالداً. قد نكون اختلفنا سياسياً، لكنني كنت أكنّ له احتراماً عميقاً لشجاعته وقناعته وحبه اللامحدود لهذا الوطن.”
وشهد منزل أودينغا أجواء نادرة من الوحدة الوطنية، حيث حضر التعزية قادة من مختلف الأطياف السياسية — بعضهم من حلفائه السابقين، وآخرون من أبرز خصومه في الانتخابات الماضية — في مشهد جسّد مكانته الجامعة في التاريخ السياسي للبلاد.
ووصلت رسائل التعزية من مختلف أنحاء القارة الإفريقية والعالم؛ حيث أعربت الرئيسة التنزانية سامية حسن عن تضامنها قائلة: “في هذه اللحظات الصعبة، نصلي من أجل أشقائنا في كينيا. رايلا أودينغا لم يكن رجل دولة كينياً فحسب، بل ابناً لإفريقيا كلها. فليستمر حلمه بالوحدة والعدالة.”
كما وصف رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الراحل بأنه “زعيم رؤيوي تجاوزت إسهاماته حدود كينيا لتلامس جوهر الديمقراطية الإفريقية”، فيما نعاه رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا باعتباره “صوت الشعب وجندياً من أجل الحرية”، أما الرئيس النيجيري الأسبق أولوسيغون أوباسانجو فنعاه بـ”الصديق الدائم للديمقراطية والفكر الوحدوي الإفريقي”.
تُبرز هذه المواقف الثقل التاريخي لرايلا أودينغا، الذي وُلد في عائلة سياسية عريقة؛ فوالده جاراموجي أوغينغا أودينغا كان أول نائب لرئيس جمهورية كينيا. ومع ذلك، تجاوز الابن إرث والده ليصبح الوجه الأبرز لمعارضة الاستبداد والنضال من أجل الإصلاح الدستوري.
قضى رايلا قرابة عشر سنوات معتقلاً دون محاكمة في عهد الرئيس موي، لكنه خرج أكثر صلابة، وأصبح رمزاً للمقاومة. ترشح خمس مرات للرئاسة، أبرزها عامي 2007 و2017، حيث أدت النتائج المتنازع عليها إلى اضطرابات وطنية.
وبرغم الخسائر والخيانات السياسية، ظل متمسكاً بمشروع الإصلاح والمصالحة، وتجسدت رؤيته الوطنية عندما وافق على اتفاق تقاسم السلطة عام 2008 ليشغل منصب رئيس الوزراء في حكومة ائتلافية مع مواي كيباكي بعد أعمال العنف الدامية.
امتدت بصماته خارج حدود كينيا عندما شغل منصب الممثل السامي للاتحاد الإفريقي لتطوير البنية التحتية، حيث دافع عن الترابط الإقليمي والتكامل الاقتصادي الإفريقي، مؤمناً بأن البنية التحتية هي أداة للوحدة لا مجرد مشاريع إسمنت وحديد.
ساهم أودينغا أيضاً في صياغة دستور كينيا لعام 2010 الذي رسّخ مبدأ اللامركزية والرقابة على السلطة التنفيذية، ليصبح اسمه مرادفاً للديمقراطية والمقاومة والإصلاح في كينيا.
في شوارع نيروبي وكسومو ومومباسا وغيرها من المدن، خرجت جموع المواطنين في مواكب حداد؛ أُشعلت الشموع وترددت الأغاني وتدفقت الدموع على رجلٍ عرفه الجميع بلقب “بابا”.
رحل “أسد الشتاء” كما وصفه البعض، لكن صوته سيبقى يتردد طويلاً في ذاكرة أمةٍ علّمها أن الحرية تستحق النضال.
وفي خطاب متلفز من القصر الرئاسي، أعلن الرئيس روتو أن الحكومة الهندية تعهّدت بالمساعدة في نقل جثمان أودينغا إلى نيروبي، وأنه تم تشكيل لجنة جنازة مشتركة تضم ممثلين عن الدولة والعائلة.
وسيرأس اللجنة نائب الرئيس كيثوري كينديكي، وتضم في عضويتها وزير الخارجية موساليا مودافادي، ووزير الثروة السمكية حسن جوهو، ووزير الداخلية كيبشومبا موركومين، وزعيم الأغلبية في البرلمان كيماني إيتشونغواه، وزعيم الأقلية جونيت محمد، والدكتور أوبورو أودينغا ونجل الراحل جاوكو أوبورو أودينغا وعدداً من أفراد العائلة.
وأوضح روتو أن العائلة والفريق الحكومي بقيادة كينديكي ومودافادي سيرافقون إيدا أودينغا إلى الهند لإعادة الجثمان، فيما بدأت الدولة الإعداد لإقامة مراسم جنازة رسمية تليق بإرثه الوطني والتاريخي.


