أمة في حداد: كيف هزّ نقل جثمان رايلا أودينغا الاقتصاد في يوم واحد.

نيروبي: بناديتا مواورا- خدمة دوان أفريكا.
عندما وصل جثمان رئيس الوزراء الكيني الأسبق رايلا أودينغا إلى مطار جومو كينياتا الدولي (JKIA) في 16 أكتوبر 2025، احتشد آلاف المشيعين في المطار لاستقباله.
ما بدأ كلحظة حداد وطني مهيبة، تحوّل سريعاً إلى اضطراب لوجستي واقتصادي واسع، دفع هيئة الطيران المدني الكينية (KCAA) إلى وصفه بأنه «إغلاق احترازي لاستعادة النظام وضمان السلامة».

ولعدة ساعات، توقف المطار الأكثر ازدحاماً في كينيا عن العمل تماماً. وتجاوزت تداعيات ذلك أسوار المطار لتشلّ حركة المسافرين، وتوقف شحن البضائع، وتسد الطرق الرئيسية، وتربك النشاط التجاري في نيروبي وكيسومو ومومباسا.
ويحاول الاقتصاديون والخبراء الآن تقدير حجم الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الكيني في ذلك اليوم الواحد.

مطار جومو كينياتا… محور مشلول

يتعامل المطار سنوياً مع نحو 9 ملايين مسافر، أي ما يعادل 24 ألف مسافر يومياً. وتستخدم أكثر من 40 شركة طيران المطار لرحلات إقليمية ودولية، ما يعني أن أي توقف ولو لساعات قليلة يترك آثاراً ضخمة.
يقول أستاذ الاقتصاد الجوي في جامعة نيروبي، البروفيسور جون موتوا: «قطاع الطيران يعمل بدقة زمنية عالية، وتأخير بضع ساعات فقط يمكن أن يسبب خسائر بملايين الشيلنغات، ليس لشركات الطيران فحسب، بل للمناولين ووكلاء الشحن والمسافرين أيضاً.»

وتُظهر بيانات هيئة مطارات كينيا (KAA) أن المطار يحقق بين 14 و19 مليار شيلنغ كيني سنوياً من رسوم الهبوط والمواقف والركاب، أي نحو 40 إلى 50 مليون شيلنغ يومياً.
أما هيئة الإيرادات الكينية (KRA)، فتجمع عبر المطار حوالي 49 مليار شيلنغ سنوياً من الرسوم الجمركية، أي ما يعادل 134 مليون شيلنغ يومياً.
حتى لو توقّف جزء من هذا النشاط لبضع ساعات، فإن الخسائر اليومية تُقدّر بمئات الملايين من الشيلنغات.

شركات الطيران والمسافرون: ثمن الإغلاق

تسبّب الإغلاق في إلغاء وتأخير العديد من الرحلات، ما أجبر شركات الطيران على تحمّل تكاليف إعادة الحجز وتعويض الركاب.
شركة الخطوط الجوية الكينية (Kenya Airways) اضطرت إلى إعادة تنظيم رحلاتها واستيعاب مئات المسافرين العالقين، فيما شهدت شركات محلية مثل Jambojet ازدحاماً وضغوطاً في التذاكر، وارتفعت أسعار الرحلات الداخلية مثل نيروبي–كيسومو ونيروبي–مومباسا بنسبة تزيد عن 30%.

ويقول المحلل الجوي أحمد هاشي: و«جاء التوقف في فترة ازدحام السفر، سواء محلياً أو دولياً. أي تحويل أو تأخير للرحلات يعني تكاليف إضافية للوقود والموظفين والمواقف، وخسائر للركاب في الحجوزات والاجتماعات.»

كما حذر خبراء من تأثير سلبي على سمعة المطار الذي يعد بوابة شرق إفريقيا، إذ تؤدي حالات الإغلاق المفاجئة إلى اهتزاز ثقة شركات الطيران العالمية مقارنة بمنافسيه في أديس أبابا وكيغالي.

خسائر الصادرات والشحن الجوي

الضربة الأقسى كانت لقطاع الصادرات الزراعية. فالمطار يعالج نحو 350 ألف طن من البضائع سنوياً، معظمها منتجات زراعية سريعة التلف مثل الزهور والفواكه والخضروات الموجهة للأسواق الأوروبية والشرق أوسطية.
أي تأخير لبضع ساعات فقط يمكن أن يؤدي إلى تلف الشحنات وخسارة قيمتها.

تقول رئيسة رابطة مصدّري المنتجات الطازجة (FPEAK)، غريس وانجوهـي: «التوقيت هو كل شيء بالنسبة للمصدرين. عندما تتوقف الرحلات، تبدأ المنتجات في التلف ويُلغي العملاء طلباتهم، وهذه خسائر لا يمكن تعويضها.»

وأُجبرت بعض شركات الشحن على تحويل البضائع إلى مطار إلدويريت أو عن طريق مطار عنتيبي في أوغندا، وهي حلول مكلفة تؤثر على سلاسل التوريد الإقليمية.

الازدحام المروري وتراجع الإنتاجية

امتدت الأزمة إلى الطرق الرئيسية في العاصمة، حيث تسبب الإغلاق في اختناق مروري كبير على طرق مومباسا وتيكا والطريق الدائري الجنوبي، ووصلت الفوضى إلى قلب نيروبي.
وتوقف النقل العام لساعات طويلة، فيما تعطلت مصالح آلاف المواطنين.
المحال التجارية الصغيرة والمطاعم والفنادق القريبة من المطار فقدت يوماً كاملاً من الدخل، بينما خسر سائقو سيارات الأجرة والدراجات النارية معظم أرباحهم اليومية.

وقدّرت الخبيرة الاقتصادية الدكتورة ليندا باراسا أن تباطؤ النشاط التجاري الحضري كلّف ما بين 100 و150 مليون شيلنغ كيني من الإنتاجية المفقودة.

«يجب حساب ساعات العمل الضائعة، والوقود المهدور في الزحام، والمعاملات التجارية التي لم تتم. حتى البنوك وشركات الخدمات تتأثر حين ينهار نظام النقل.»

السياحة والصورة الوطنية وثقة المستثمرين

جاءت هذه الأزمة في توقيت حساس بالنسبة لقطاع السياحة الكيني الذي يحاول التعافي بعد سنوات من الاضطرابات العالمية في السفر.
ويعد مطار جومو كينياتا الدولي البوابة الرئيسية للسياح القادمين إلى البلاد.

الرحلات الملغاة والمشاهد الفوضوية التي انتشرت على وسائل الإعلام — لحشود تخترق الحواجز الأمنية — يمكن أن تترك أثراً سلبياً على ثقة المستثمرين والزوار.
يقول الخبير اللوجستي بيتر نجوغي، المسؤول السابق في الخطوط الجوية الكينية: «المطارات ليست مجرد بنية تحتية، إنها رموز للاستقرار الوطني. عندما يرى الناس الفوضى عند مدخل بلدك، يبدأون في التشكيك في أمانه وكفاءته.»

درس في الجاهزية وإدارة الحشود

أعلنت هيئة الطيران المدني الكينية لاحقاً استئناف العمليات بشكل طبيعي، وأصدرت إشعاراً للطيارين (NOTAM) يؤكد استقرار الوضع الأمني.
وفي بيانها الصحفي، اعتذر المدير العام إميل أراو عن الإزعاج، لكنه شدد على أن «السلامة تأتي أولاً».

واتفق الخبراء على أن الحادثة أبرزت الحاجة إلى تنسيق أفضل بين الجهات الأمنية وهيئات الطيران والنقل، لضمان التوازن بين العاطفة الوطنية واستمرارية الاقتصاد في الأحداث الكبرى.

«يجب على كينيا أن تتعلم الموازنة بين مشاعر الحداد واستمرارية الأنشطة الاقتصادية»، تقول الدكتورة باراسا. «فوداع الزعماء لا يجب أن يشل شرايين الدولة.»

الحساب النهائي: كم كلّف يوم واحد؟

عند جمع الخسائر الناجمة عن توقف الرحلات، وتعطل الشحنات، وتراجع الإيرادات الجمركية والتجارية، يقدّر الخبراء أن الأثر المالي ليوم 16 أكتوبر تجاوز 400 إلى 500 مليون شيلنغ كيني — أي ما يعادل نحو 3 إلى 3.5 ملايين دولار أمريكي.

لكن ما هو أهم من الأرقام هو الدرس المستفاد:
في اقتصاد مترابط مثل كينيا، يمكن لحدث وطني واحد أن يوقف قطاعات متعددة في لحظة واحدة.
لقد كان يوم وداع رايلا أودينغا يوماً اختلط فيه الحزن بالاقتصاد — وجعل صُنّاع القرار يدركون أن إدارة العاطفة الوطنية لا تقل أهمية عن إدارة الاقتصاد نفسه.