بقلم /عبد الله صلاد
على مدى السنوات الماضية، دأبت الحكومة الصومالية وشركاؤها الدوليون على الإعلان بفخر عن تسجيل نمو إيجابي في الناتج المحلي الإجمالي (GDP).
وغالبًا ما تتحدث التقارير عن زيادات سنوية بنسب 2.74% أو 4.2%، لتصوّر الصومال كقصة نجاح ناشئة في منطقة القرن الإفريقي.
لكن خلف هذه الأرقام تكمن حقيقة مؤلمة: نمو بلا وظائف، وازدهار بلا إنتاجية، وأرقام لا تعكس واقع الحياة اليومية.
سراب الأرقام الاقتصادية
الناتج المحلي الإجمالي هو المعيار التقليدي لقياس الأداء الاقتصادي، لكنه يخبرنا بكم تنتج الدولة، لا بكيف يعيش مواطنوها.
وفي حالة الصومال، فإن النمو في الناتج المحلي يعتمد إلى حدٍّ كبير على تدفق المساعدات والتحويلات المالية والاستهلاك، وليس على الإنتاج الصناعي أو الزراعي.
فالاقتصاد الرسمي لا يزال ضيقًا ومتمركزًا في المدن، بينما تعيش غالبية السكان — أكثر من 60% من الصوماليين — في المناطق الريفية التي لا تصلها ثمار هذا النمو.
وحين تُنشر أرقام جديدة للناتج المحلي، نادرًا ما يُسأل: كم وظيفة جديدة أُنشئت؟ كيف تغيّرت الأجور؟ وهل تحسّنت القوة الشرائية للأسر؟
فالنمو في الناتج المحلي دون زيادة موازية في فرص العمل أو الإنتاجية هو مجرد وهم إحصائي — يبدو كالتقدم على الورق، لكنه لا يُشعَر به في الواقع.
مفارقة البطالة
تُعد معدلات البطالة بين الشباب في الصومال — والتي تتجاوز 70% — من بين الأعلى في العالم.
فكل عام، يتخرج آلاف الشباب ليواجهوا سوق عمل يكاد يكون غائبًا.
ويكشف هذا التناقض بين نمو الناتج المحلي وغياب فرص العمل عن خلل في توزيع مكاسب النمو.
وليس هذا النمط خاصًا بالصومال وحدها، بل يتكرر في العديد من دول القرن الإفريقي، حيث تبدو الاقتصادات مزدهرة على الورق، لكنها تعجز عن استيعاب الأجيال الشابة المتعلمة.
وحين يعتمد النمو على الاستيراد والتحويلات المالية والإنفاق الحكومي بدلاً من الإنتاج المحلي، فإنه نادرًا ما يولد وظائف مستدامة.
ما لا تكشفه البيانات
جزء من المشكلة يكمن في ضعف الأنظمة الإحصائية.
فالحسابات الوطنية في الصومال ما زالت تُبنى على بيانات قديمة واستطلاعات غير مكتملة وافتراضات يقدمها المانحون.
وبغياب إحصاءات دقيقة حول العمالة والأسعار والإنتاجية، تصبح أرقام الناتج المحلي مضللة لصنّاع القرار والجمهور على حد سواء.
فعلى سبيل المثال، قد يؤدي ازدهار قطاع الاتصالات أو البناء إلى تضخيم أرقام الناتج المحلي، بينما تبقى الدخول الحقيقية راكدة والعمل غير النظامي هو السائد.
إن قياس النمو عبر الناتج المحلي وحده يشبه الحكم على صحة الإنسان من خلال وزنه فقط — يعطيك فكرة جزئية، لكنها لا تعكس الصورة الكاملة.
نحو فهم أعمق للنمو الحقيقي
إن التركيز المفرط على الناتج المحلي الإجمالي يجعل صُنّاع القرار يغفلون عن القضايا الجوهرية التي تمس حياة المواطنين اليومية، مثل نوعية الوظائف، وعدالة توزيع الدخل، وكفاءة الخدمات العامة.
فالنمو الحقيقي لا يُقاس فقط بالأرقام، بل بمدى شعور المواطن بالأمان الاقتصادي وقدرته على بناء مستقبل مستقر لأسرته.
في الصومال، ما تزال الزراعة وصيد الأسماك والحِرف الصغيرة تمثل مصادر الرزق الأساسية لملايين الناس، ومع ذلك فهي القطاعات الأقل دعمًا وتمويلًا.
أما المشروعات الصغيرة والمتوسطة — التي تُعد المحرك الطبيعي لخلق فرص العمل — فلا تزال تفتقر إلى التمويل والتدريب والبنية التحتية.
وبينما تتحدث التقارير عن “تعافي الاقتصاد”، يجد معظم الصوماليين أن تكاليف المعيشة في ارتفاع، وفرص العمل نادرة، والدخل بالكاد يغطي الاحتياجات الأساسية.
إن الاقتصاد الذي ينمو دون أن يخلق وظائف أو يحسن حياة الناس هو اقتصاد منفصل عن واقعه الاجتماعي.
نحو مؤشرات بديلة للنمو
يحتاج الصومال، مثل غيره من الدول النامية، إلى إعادة النظر في كيفية قياس التقدم الاقتصادي.
فالمؤشرات الحديثة مثل مؤشر الرفاه الاجتماعي، ومؤشر التنمية البشرية، ومؤشر عدم المساواة في الدخل يمكن أن تقدم صورة أكثر واقعية عن مسار التنمية.
كما أن تعزيز مؤسسات الإحصاء الوطنية وجمع البيانات الدقيقة حول سوق العمل يجب أن يكون أولوية وطنية لضمان التخطيط الاقتصادي السليم.
الخلاصة
إن الارتفاع في الناتج المحلي الإجمالي لا يعني بالضرورة تقدّم المجتمع.
فحين يبقى الشباب بلا عمل، والأسر بلا دخل كافٍ، والإنتاجية في تراجع، يصبح الحديث عن النمو نوعًا من التجميل الإحصائي.
الاقتصاد الصومالي بحاجة إلى نمو يولّد وظائف حقيقية، ويعزز الإنتاج المحلي، ويمنح المواطنين شعورًا ملموسًا بالأمان الاقتصادي.
إن الأرقام قد تُغري، لكنها لا تُغني عن الواقع.
فالنمو الذي لا يُحسّ به الناس في حياتهم اليومية، يبقى مجرّد وهمٍ اقتصادي مهما بدت إحصاءاته مشرقة.
** الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة موقف منصة بوابة الصومال.


