بعد 25 عامًا من مؤتمر عرتا: كيف أعادت بلدة جيبوتية صغيرة بناء الدولة الصومالية

عرتا تحتفل بمرور 25 عامًا على المفاوضات التي غيّرت مسار الصومال — استعادة لما حدث، ولماذا كان مهمًا، وكيف لا يزال نظام 4.5 يُشكّل السياسة حتى اليوم.

🔹 الحدث الرئيسي

جيبوتي، 30 أكتوبر 2025 — تستضيف بلدة عرتا في جيبوتي اليوم احتفالًا يستمر يومًا واحدًا بمناسبة مرور خمسةٍ وعشرين عامًا على مؤتمر عرتا للسلام لعام 2000 — الاجتماع التاريخي الذي أعاد إحياء الحكومة المركزية الصومالية بعد نحو عقدٍ من الحرب الأهلية وانهيار الدولة الكامل.

ويُفتتح الحدث رسميًا على يد الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله، الذي استضاف المؤتمر الأصلي أيضًا، بحضور الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود وعددٍ من كبار المسؤولين والقادة الوطنيين السابقين والشخصيات الإقليمية.
ومن بين أبرز الحاضرين الرئيس الأسبق الشيخ شريف شيخ أحمد ورئيس الوزراء الأسبق حسن علي خيري، وكلاهما من الشخصيات المعارضة البارزة حاليًا.

انعقد مؤتمر عرتا الأصلي بين مايو وأغسطس 2000، وجمع أكثر من 2000 مندوب صومالي من الشيوخ التقليديين، ومنظمات النساء، والعلماء، ورجال الدين، وأفراد الشتات، في محاولة لإعادة بناء الحكم.
وقد أسفر المؤتمر عن تأسيس الحكومة الوطنية الانتقالية (TNG) وانتخاب عبدي قاسم صلاد حسن كأول رئيس للصومال منذ عام 1991، ما أعاد الاعتراف الدولي وأحيا الإحساس بوجود دولة.

🔹 خلفية وأهداف المؤتمر

لماذا انعقد مؤتمر عرتا

بحلول أواخر التسعينيات، كان الصومال قد عانى تسع سنوات من الفوضى والمجاعات والنزاعات بين الفصائل المسلحة.
فشلت مؤتمرات السلام السابقة التي استضافتها إثيوبيا وكينيا لأنها ركزت على أمراء الحرب بدلاً من الشعب الصومالي نفسه.
أما الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله فقد تبنّى نهجًا مختلفًا — عملية صومالية خالصة قائمة على الحوار والمصالحة والمشاركة الشعبية، دعا فيها الشيوخ، وقادة المجتمع المدني، ورجال الأعمال، والنساء لبناء الدولة من القاعدة إلى القمة.

كيف نُظِّم المؤتمر

تألف مؤتمر عرتا من ثلاث لجان رئيسية:
1. لجنة المصالحة: لمعالجة الخلافات بين العشائر.
2. اللجنة الدستورية: لصياغة الميثاق الوطني الانتقالي (الإطار القانوني المؤقت).
3. اللجنة السياسية: لإدارة الانتخابات واختيار القيادة.

اعتمد المؤتمر نظام تقاسم السلطة العشائري المعروف بـ“4.5”، الذي يقسّم المناصب بين العشائر الأربع الكبرى (دارود، هوية، دير، دجل ومرفلي) مع منح نصف حصة (0.5) للأقليات.
وقد صُمم هذا النظام لضمان التوازن والتمثيل في ظل الانقسام العميق، لكنه ظل مثار جدل — إذ يُشاد به كحل واقعي لتحقيق السلام، لكنه يُنتقد لترسيخه الهوية القبلية على حساب المواطنة وإبطائه التحول نحو الديمقراطية الكاملة.
وبعد ربع قرن، لا يزال نظام 4.5 أبرز وأطول إرثٍ مثيرٍ للجدل تركه مؤتمر عرتا.

🔹 ما الذي حققه مؤتمر عرتا
• أغسطس 2000: تأسيس الحكومة الوطنية الانتقالية (TNG).
• انتخاب عبد القاسم صلاد حسن كأول رئيس للدولة منذ نحو عقد.

رغم أن الحكومة الانتقالية لم تسيطر إلا على أجزاء من مقديشو، ورفضت كلٌّ من بونتلاند وصوماليلاند الاعتراف بسلطتها، إلا أن عرتا أعادت الأمل، وأثبتت أن الحوار السياسي يمكن أن يحل محل عقودٍ من الحرب.

🔹 الإرث الأوسع والدروس المستفادة

  1. ولادة النظام الفيدرالي

ألهمت شمولية مؤتمر عرتا مفاوضات لاحقة في إلدوريت ومباغاثي (2002–2004)، التي أسفرت عن إنشاء الحكومة الفيدرالية الانتقالية (TFG) ومهّدت الطريق لتأسيس جمهورية الصومال الفيدرالية (2012).
ولا يزال نظام 4.5 موجّهًا رئيسيًا للحياة السياسية، يوازن بين التمثيل والمساواة لكنه يرسّخ الانتماء القبلي أكثر من الهوية الوطنية.

  1. الدبلوماسية الإقليمية ودور جيبوتي

عزز استضافة جيبوتي لمؤتمر عرتا مكانتها كوسيطٍ موثوق في القرن الأفريقي، وأثبتت أن الدبلوماسية الإفريقية بقيادة محلية يمكن أن تنجح فيما فشلت فيه الجهود الدولية لعقدٍ من الزمن.

  1. التأمل والتجديد

مع عودة القادة — من الحكومة والمعارضة — إلى عرتا، لا تقتصر المناسبة على الطابع الرمزي، بل تمثل وقفة تقييمٍ لمسيرة 25 عامًا من التحديات والإنجازات: إعادة بناء المؤسسات، مواجهة حركة الشباب، تنفيذ الفيدرالية، والمضي في مسار التعافي الاقتصادي عبر إعفاء الديون والانضمام إلى مجموعة شرق إفريقيا (EAC).

🔹 لماذا لا يزال مؤتمر عرتا مهمًا

أثبت مؤتمر عرتا أن المصالحة قادرة على إعادة بناء وطن، وأن الحوار يمكن أن يعيد الحكم بعد الانهيار، وأن الصومال يستطيع استعادة صوته في الساحة الدولية.

ومع عودة القادة إلى عرتا اليوم، يبقى السؤال الأهم:

هل يستطيع الصومال تجاوز نظام 4.5 وتحقيق وعد عرتا — جمهورية سلمية، ديمقراطية، وموحدة؟