كينيا تتصدر أفريقيا كأول دولة تنظم الأصول الرقمية .

نيروبي ( بوابة الصومال) – حققت كينيا إنجازاً تاريخياً باعتبارها أول دولة أفريقية تُصدر قانوناً ينظم الأصول الرقمية، في خطوة جريئة تهدف إلى تعزيز ثقة المستثمرين وحماية الاقتصاد من المخاطر المحتملة المرتبطة بانتشار العملات المستقرة المرتبطة بالدولار الأمريكي.

القانون الجديد، المعروف باسم “قانون مزودي خدمات الأصول الافتراضية”، الذي أقرّه البرلمان الأسبوع الماضي، يمنح البنك المركزي الكيني (CBK) صلاحيات واسعة للإشراف على العملات المشفرة والعملات المستقرة وسائر الأصول الرقمية، ما يعزز مكانة كينيا كرائدة في مجال التمويل الرقمي في القارة.
لكن هذه الخطوة تأتي في وقتٍ يحذر فيه خبراء ماليون عالميون من أن العملات المستقرة المرتبطة بالدولار قد تُضعف قيمة العملات المحلية في الدول النامية.

وقال كوريا كيماني، رئيس لجنة المالية في البرلمان الكيني: “القانون الجديد يمنح البنك المركزي الكيني السلطة الكاملة للإشراف على إصدار وتنظيم العملات المستقرة والأصول الافتراضية.”

العملات المستقرة… بين الفائدة والمخاطر

العملات المستقرة — وهي عملات رقمية مرتبطة بأصول تقليدية مثل الدولار الأمريكي — أصبحت تُستخدم على نطاق واسع في أفريقيا لادخار الأموال وتحويلها. وفي البلدان التي تعاني من التضخم أو تراجع قيمة العملة، تُعد خياراً عملياً وسهلاً. إلا أن الهيئات التنظيمية تبدي قلقاً متزايداً.

ففي تقرير حديث، حذّر بنك التسويات الدولية (BIS) من أن العملات المستقرة المرتبطة بالدولار قد “تقوّض السيادة النقدية” و”تتسبب في هروب رؤوس الأموال” من الاقتصادات الضعيفة، مشبهاً إياها بـ”الأوراق النقدية الخاصة” التي كانت تصدرها البنوك في القرن التاسع عشر — قوية وشعبية، لكنها شديدة الخطورة.

ويقدّر محللون في ستاندرد تشارترد أن نحو 99٪ من العملات المستقرة مرتبطة بالدولار الأمريكي، وأن ما يصل إلى تريليون دولار قد ينتقل من البنوك في الأسواق الناشئة إلى العملات المستقرة خلال السنوات المقبلة — ما قد يؤدي إلى استنزاف الودائع المحلية وإضعاف العملات الوطنية وتعقيد سياسات التحكم في التضخم.

توازن بين الابتكار والرقابة

يهدف القانون الكيني الجديد إلى تحقيق توازن بين الابتكار والتنظيم. إذ يُدخل نظام ترخيص لمزودي خدمات الأصول الرقمية ويضع قواعد واضحة للبورصات وحفظ الأصول ومشغلي المدفوعات تحت إشراف البنك المركزي. كما يسمح القانون بإنشاء قنوات تحويل منظمة بين الأصول الرقمية والشلن الكيني (On-ramp / Off-ramp)، لضمان بقاء السيطرة المالية داخل النظام المحلي.

وحذّر مركز التنمية العالمية (CGDEV) من أن الاستخدام الواسع للعملات المستقرة قد يؤدي إلى تراجع الإيرادات العامة عبر تقليص الضرائب على الدخل والأرباح الرأسمالية وعوائد البنوك المركزية.

ريادة وفرصة وتحذير

بالنسبة لكينيا، يمثل هذا القانون فرصة للريادة في الابتكار المالي وجذب الاستثمارات العالمية، لكنه في الوقت ذاته تحذير من فقدان الاستقلال المالي مقابل سهولة الاستخدام الرقمي.

وقال أحد الدبلوماسيين في السفارة الإندونيسية في نيروبي خلال نقاش حول الاقتصاد الرقمي: “ينبغي ألا يتجاوز الابتكار وتيرة التنظيم، وإلا فإنه سيعيد تشكيل الاقتصاد قبل أن تتمكن الحكومات من ضبطه.”

بهذه الخطوة الاستباقية، ترسل كينيا رسالة واضحة إلى القارة:
أن النمو الرقمي والتنظيم الصارم يمكن أن يتعايشا — وأن المستقبل المالي لأفريقيا يجب أن يُبنى على الابتكار المسؤول.