بقلم: بيحي إيمان عغه – وزير المالية في الحكومة الفيدرالية الصومالية، وهيديكي ماتسوناغا – مدير مكتب البنك الدولي في الصومال- خدمة دوان أفريكا.
بينما تنضم الصومال إلى المجتمع الدولي في إحياء اليوم العالمي للقضاء على الفقر، نغتنم هذه المناسبة للتأمل في التحديات المستمرة والفرص الجديدة التي تشكل مستقبل أمتنا. فبعد التقدم الذي أُحرز في بناء مؤسسات الدولة وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، تواجه الصومال اليوم المهمة الحاسمة المتمثلة في تحويل النمو إلى انخفاض ملموس في معدلات الفقر وتعزيز الشمول الاجتماعي.
أكثر من نصف سكان الصومال يعيشون تحت خط الفقر، ما يجعل مكافحة الفقر أولوية وطنية تتطلب تقدماً مستداماً ومتسارعاً. ولا تزال الفئات الهشة – من الرحّل والنازحين داخلياً – تواجه مستويات عميقة من الحرمان، فيما تبقى بطالة الشباب قضية مقلقة، إذ يُقدّر معدل مشاركة الفئة العمرية (15–24 عاماً) في سوق العمل بنحو 16.4% بين الذكور و8.1% بين الإناث. كما لا تتجاوز نسبة الالتحاق بالتعليم الابتدائي 35%، ويواجه القطاع الخاص – الذي يمثل محركاً محتملاً لخلق فرص العمل – قيوداً كبيرة بسبب ضعف البنية التحتية وصعوبة الحصول على التمويل.
ومع ذلك، فهذه التحديات ليست مستعصية على الحل. فالصومال تقف عند مفترق طرق حاسم؛ إذ تفتح المفاوضات المتقدمة للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية (WTO)، بعد انضمام البلاد مؤخراً إلى East African Community (EAC)، آفاقاً جديدة للتكامل الاقتصادي الإقليمي والعالمي، وتعزيز التجارة وحركة الأشخاص. كما أن القطاع الخاص النشط، القائم على ريادة الأعمال والابتكار، مؤهل لخلق فرص عمل جديدة وتوسيع الصادرات والمساهمة في نمو شامل ومستدام. ومع كون أكثر من 70% من السكان دون سن الثلاثين، فإن الشباب يمثلون محركاً قوياً للنمو والتحول. ويعزز التوسع في البنية التحتية الرقمية وبرامج الحماية الاجتماعية الأساس لبناء تنمية شاملة ومرنة.
إستراتيجية الصومال للوظائف والقضاء على الفقر
ترتكز إستراتيجية الصومال للوظائف والقضاء على الفقر على National Transformation Plan (NTP) 2025–2029، والمنسقة مع World Bank’s Country Partnership Framework (CPF) for FY24–28.
وتوفر هاتان الوثيقتان خارطة طريق واضحة للإصلاحات الشاملة والاستثمارات الموجهة نحو خلق فرص العمل وزيادة الإنتاجية وتحقيق الرخاء المشترك.
في صميم هذه الرؤية قناعة بسيطة: الفقر ليس قدراً محتوماً، ومع الاستثمارات الصحيحة في الوظائف ورأس المال البشري وبناء المرونة، يمكن لكل صومالي أن يشارك في نمو الوطن ويستفيد منه.
أصوات الشباب الصومالي، مثل Abdirahman Nour Yusuf، Executive Director of MAAN-DHIS Youth Organization، تذكّرنا بأن التحدي الأكبر لا يكمن في غياب القدرات، بل في غياب تكافؤ الفرص. إن دعوة شبابنا لفرص عمل حقيقية تؤكد الحاجة الملحّة إلى تحرك حاسم وتعاون شامل لضمان حصول كل صومالي، صغيراً كان أو كبيراً، على عمل كريم.
نهج شامل ومتعدد القطاعات لبناء الوظائف والمرونة
إن مكافحة الفقر في الصومال جهدٌ جماعي مشترك بين الحكومة الفيدرالية والبنك الدولي وشركاء التنمية. معاً، نستثمر في مجموعة واسعة من البرامج التي تعطي الأولوية لخلق فرص العمل كمحرّك للنمو الشامل في الحاضر، مع بناء المهارات ورأس المال البشري لوظائف المستقبل.
من BOOST-You project، الذي يوفّر فرص عمل ومهارات تقنية للشباب المعرضين للخطر، إلى Somali Sustainable Fisheries Development Project الذي ينعش الاقتصادات الساحلية، وSomalia Urban Resilience Project – Phase II الذي يخلق وظائف عبر مشاريع البنية التحتية الحضرية – تُحدث هذه المبادرات تحولاً ملموساً في حياة الناس في مختلف أنحاء البلاد.
كما يمكّن مشروع Rajo Kaaba النساء من خلال التعليم وتنمية المهارات، فيما يوسّع مشروع Somalia Productive, Resilient, and Inclusive Growth (SPRING) Project من فرص الوصول إلى التمويل والخدمات الرقمية لرواد الأعمال. ومن خلال Somalia Capacity Advancement, Livelihoods and Entrepreneurship, through Digital Uplift Project (SCALED-UP) Additional Financing، تم دعم تأسيس مؤسسات مالية وخاصة مثل Gargaara التي تسهّل الإقراض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة
دعوة إلى العمل
إن القضاء على الفقر في الصومال يتطلب عملاً منسقاً متعدد القطاعات وتكامل الجهود بين الحكومة وشركاء التنمية والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمواطنين. وندعو جميع الأطراف إلى:
• تسريع تنفيذ أجندة الإصلاح الوطني وNational Transformation Plan؛
• تعزيز الاستثمار في القطاعات الإنتاجية لخلق وظائف مستدامة وتنويع مصادر الدخل؛
• توسيع الوصول إلى التعليم والتدريب المهني والخدمات الصحية؛
• تقوية نظم الحماية الاجتماعية لحماية الفئات الأكثر ضعفاً؛
• إزالة العوائق أمام خلق الوظائف، خصوصاً في مجالات التمويل والطاقة والبنية التحتية؛
• تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص والمبادرات المجتمعية؛
• وتبني سياسات شاملة تمكّن الشباب والنساء والمجموعات المهمشة.
طريق الصومال نحو الوظائف واعد ومتنامٍ
في المستقبل القريب، من المتوقع أن تنشأ فرص جديدة من خلال برامج الأشغال العامة الموسعة، ومبادرات ريادة الأعمال، ومشروعات تشغيل الشباب، إلى جانب تحسين الوصول إلى الخدمات الرقمية والمالية – لا سيما لتمكين النساء والشباب. كما أن توسيع نظم الحماية الاجتماعية، بما في ذلك التحويلات النقدية وشبكات الأمان، إلى جانب الاستثمارات الموجهة في التعليم والتدريب والصحة، سيعزز من صمود الأسر وتنمية رأس المال البشري.
علاوة على ذلك، فإن تعميق التكامل الإقليمي والعالمي يفتح آفاقاً جديدة للتجارة والتنقل وتبادل المعرفة، بينما تهيئ الإصلاحات الاقتصادية الجارية وجهود تحسين بيئة الأعمال وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص الطريق نحو نمو شامل ومستدام.
إن هذه الجهود مجتمعة ترسم ملامح مستقبل يتمكن فيه كل صومالي من الحصول على عمل لائق، والمساهمة بفعالية في التنمية الوطنية، والمشاركة في نهضة الاقتصاد الصومالي.
بقلم/ بيحي إيمان عغه – وزير المالية، الحكومة الفيدرالية الصومالية
وهيديكي ماتسوناغا – مدير مكتب مجموعة البنك الدولي في الصومال
الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن وجهة نظر الكاتبين ولا تعكس بالضرورة مواقف منصة دوان أفريقيا (بوابة الصومال).


