في الأسبوع الماضي، التهمت ألسنة اللهب “سوق بعاد” في مقديشو، مدمّرة بضائع تُقدَّر بعشرات الملايين من الدولارات. ولمن يعرفون المدينة، بدت الصور مألوفة بشكل مؤلم. فقبل عامين فقط، شبّ الحريق نفسه في السوق ذاتها. وفي عام 2017، تكررت القصة بطريقة مريبة. وفي كل مرة، يُترك التجار في حالة دمار كامل، وقد تحولت سبل عيشهم إلى رماد.
لكن هذه الكارثة الأخيرة ليست مأساة معزولة. فمن سوق بعاد إلى سوق بكارو ـ القلب النابض لاقتصاد مقديشو ـ تكررت الحرائق مرارًا: 2017، 2019، 2022، 2023، ثلاث مرات في 2024، ومرة أخرى في 2025، متسببة بخسائر بمئات الملايين من الدولارات. كما شهد سوق “حمرويني” التاريخي في العاصمة دمارًا مشابهًا.

أما الحرائق الأشد كارثية، فقد ضربت سوق واهين في هرجيسا عامي 2022 و2025، حيث تجاوزت الأضرار 1.5 مليار دولار. ولم تقتصر الكارثة على الصومال، إذ التهمت النيران أيضًا أسواقًا يهيمن عليها التجار الصوماليون مثل سوق “مُغْدي في غاريسا – كينيا، وسوق “تايوان” في جيجيغا – إثيوبيا، مضيفة خسائر بملايين الدولارات.

يرى البعض أن هناك نمطًا يوحي بما يتجاوز مجرد سوء الحظ. فالنظريات المتداولة تشير إلى احتمال الاستهداف المتعمد، نظرًا للتشابه اللافت في توقيت هذه الحرائق وانتشارها والظروف المحيطة بها.
بينما يشير آخرون إلى سبب أكثر بساطة ـ لكنه لا يقل فتكًا ـ وهو هشاشة الأسواق وانعدام الأمان فيها. فالأزقة الضيقة والمتشابكة تحاصر النيران وتمنع وصول سيارات الطوارئ، والأسلاك الكهربائية متداخلة وخطيرة، والبضائع القابلة للاشتعال تُخزَّن بشكل عشوائي وغالبًا بالقرب من مصادر اشتعال مكشوفة. في مثل هذه الظروف، يمكن لشرارة صغيرة أن تشعل كارثة.
إيقاف دوامة الدمار يتطلب ما هو أكثر من التبرعات ورسائل التعزية. على التجار الاستثمار في أجهزة إنذار الدخان وصفارات الإنذار وطفايات الحريق، والخضوع لتدريبات على السلامة. وعلى السلطات إعادة تصميم تخطيط الأسواق لتسهيل الوصول في حالات الطوارئ، وتطبيق لوائح السلامة بصرامة، وتخصيص وحدات إطفاء بالقرب من الأسواق الكبرى. كما يمكن لخطط التأمين الجماعية أن تضمن تعويضًا سريعًا بدلًا من ترك الضحايا رهائن للإحسان.
فهذه الأسواق ليست مجرد مراكز تجارية، بل هي شرايين حياة لمئات الآلاف من الأسر وأركان أساسية في اقتصاد القرن الإفريقي. والسماح لها بأن تحترق مرارًا ليس مجرد مأساة، بل هو كارثة اقتصادية.
إهمال أم تخريب متعمّد، النتيجة واحدة: وما لم تُتخذ إجراءات حاسمة الآن، فإن السؤال ليس هل سيقع الحريق القادم ؟ بل: متى، وأي سوق سيكون الضحية القادمة؟