مقديشو في 14 فبراير /بوابة الصومال / أحدثت الأزمة الناتجة من توقيع مذكّرة تفاهم بين آبي أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، وموسى بيحي، رئيس أرض الصومال الانفصالية، هزَّات صادمةً في جميع أنحاء القرن الأفريقي. والمذكرة تمّ توقيعها في 1 يناير/ كانون الثاني 2024، وبموجبها ستحصل إثيوبيا على ممر إستراتيجي بطول 20 كيلومترًا في مياه خليج عدن، وميناء تجاري وقاعدة بحرية لقواتها البحرية. وفي المقابل، تلتزم إثيوبيا بالاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة، وتعطي لها حصة من الخطوط الجوية الإثيوبية.
تعود جذور مذكرة التفاهم إلى النهج الشعبوي والشخصي الذي يتبعه رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد في السياسة الداخلية والعلاقات الخارجية؛ استجابةً للتحديات الداخلية الصعبة التي تواجهها إثيوبيا. وبالمثل، فإن رئيس أرض الصومال، موسى بيحي، يمرّ بأجواء سياسية معقدة طامحًا في إطالة أمد بقائه في السلطة، وسط تزايد المعارضة وفشله في الحرب مع منطقة خاتومو الواقعة في الجزء الشرقيّ من أرض الصومال التاريخية.
أزمات عميقة
لقد دفعت الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العميقة التي تجتاح شعوب هؤلاء القادة إلى البحث عن حلول غير تقليدية للأزمات الداخلية المعقدة التي يعيشون فيها. وبالنسبة لإثيوبيا، فإنّ السعي إلى إنشاء ممر في خليج عدن يمثل تحركًا إستراتيجيًا لتأمين الوصول البحري الآمن، وأن تخفف من الاعتماد الدائم على جيبوتي وإريتريا في التجارة البحرية، وهو حلم راود فترة من الزمان إثيوبيا غير الساحليّة.
وفي الوقت نفسه، كان تطلع أرض الصومال إلى الاعتراف الدولي كدولة مستقلة هدفًا طويل الأمد. وفشلت أرض الصومال، التي انفصلت عن الصومال في عام 1991، في الحصول على اعتراف دولي، ولم تسفر المفاوضات مع الدولة الفدرالية الصومالية عن نتائج ملموسة.
ويرى بيحي أن مذكرة التفاهم هذه، تمثل فرصة لأرض الصومال لتحقيق هذا الهدف من خلال إثيوبيا. وإن استعداد بيحي للانخراط في مثل هذا الاتفاق يعكس خطورة التحديات الداخلية التي تواجهها أرض الصومال، بما في ذلك عدم الاستقرار السياسي، والصعوبات الاقتصادية، والتوترات الاجتماعية.
إن يأس زعيمَي إثيوبيا وأرض الصومال من إيجاد حلول سياسية لمشكلاتهما الداخليّة دفعهما إلى استكشاف تكتيكات غير تقليدية ومغامرة تلتقي مع تطلعات ناخبيهما وتحول الانتباه عن الأزمة الداخليّة.
ومما لا شكّ فيه أن إثيوبيا انتهكت وحدة وسيادة الأراضي الصومالية من خلال توقيع مذكّرة التفاهم هذه، وإن العلاقات المتوترة الصومالية الإثيوبية تتطلب تسليطَ الضوء على ست نقاط تدل على الآثار السلبية لمذكرة التفاهم والتي يحتاج آبي أحمد إلى إعادة تقييمها وكبح نواياه فيما يتعلق بضم أجزاء من الأراضي الصومالية، وتعزيز التعاون والرخاء المشترك في منطقة القرن الأفريقي بدلًا من ذلك.
1- تأليب قومية الأورومو ضد القومية الصومالية
لقد مرّ الصوماليون بتحول في تصورهم للصومال الكبير، وهو ما كان يعني توحيد الأجزاء الخمسة من الشعب الصومالي التي قسمتها القوى الاستعمارية: (بريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وإثيوبيا) خلال الزحف والتدافع نحو أفريقيا في القرن التاسع عشر.
وبدلًا من السعي المتواصل نحو تحقيق هدف توحيد كل المناطق التي يسكنها الصوماليون في القرن الأفريقي، تبنوا منظورًا جديدًا بشأن التكامل الإقليمي للحفاظ على مكتسباتهم المتاحة. وقد سمح هذا التحول النموذجي للصوماليين المقيمين في إثيوبيا، وكينيا، والمغتربين في غيرهما بالاندماج بنشاط في المجتمعات والأمم التي وجدوا أنفسهم فيما بينها.
ومع ذلك، فإن إعادة تعريف القومية الصومالية، لا تعني تجاهلًا لوَحدة الدولة الأم، الصومال، وخاصة في مواجهة التهديدات أو التحديات الخارجية التي تفرضها الدول المجاورة.
تفاعل معقد
وفي أوقات مثل هذه المخاطر، يظلّ الصوماليون – بغض النظر عن مواقعهم الجغرافية – قادرين على التوحد واتخاذ إجراءات جماعية لحماية سلامة أراضي الصومال وسيادته. ولذلك، من المهم أن نلاحظ أنه في حين أن النهج الجديد يؤكد على التكامل والترابط العالمي، فإنه لا يزال هناك شعور بالهُوية الصومالية والتضامن في وقت الأزمات.
ومن ناحية أخرى، تعتمد قومية الأورومو على الخطاب السائد بين نخب الأورومو والقوميين الذين يتميزون بتصوير شعب الأورومو على أنه مضطهد بشكل منهجي في ظل الحكم الإثيوبي.
وفي تعبيرهم عن قومية الأورومو، تؤكد هذه النخب والقوميون أنَّ شعب الأورومو عانى لفترة طويلة من القمع والتهميش في سياق الحكم الإثيوبي. وتتجذر وجهة نظرهم في الاعتقاد بأن العلاقة بين أوروميا وإثيوبيا غير قابلة للتوفيق والتطابق، ما دفعهم إلى الدعوة إلى حلول جذرية مثل إنشاء دولة أوروميا مستقلة.
ومع استمرار قومية الأورومو في التطور والتأثير على الديناميكيات السياسية داخل إثيوبيا، يظلُّ التفاعل المعقد بين تقرير المصير والسلامة الإقليمية والمسألة الأوسع المتعلقة بالهُوية الوطنية في قلب خطابهم السياسي الموجَّه.
ينتمي الأورومو والصوماليون إلى المجموعة الثقافية الكوشية، وكانت الدولة الصومالية تساعد دائمًا حركة تحرير الأورومو في نضالها ضد اضطهاد سكان المرتفعات الإثيوبية. وبدلًا من تعزيز هذه العلاقة العميقة الجذور، بدأ آبي أحمد في تأليب قومية الأورومو ضد القومية الصومالية المتعاطفة مع قضية الأورومو التاريخيَّة.
وتمتد النتائج السلبية المحتملة إلى ما هو أبعد من النقاط الستّ التي تم تسليط الضوء عليها سابقًا، مما يؤكد الحاجة إلى الاهتمام الفوري؛ لمنع تصعيد المشكلات التي قد تكون لها عواقب بعيدة المدى. ولا بد من إطفاء النار قبل أن تجتاح الناس والقرن الأفريقي، مع ما قد يترتب على ذلك من تداعيات قد تمتد إلى أمن طرق التجارة الحيوية.
وفي ضوء هذه التحديات متعددة الأوجه، هناك حاجة إلى اتّخاذ تدابير عاجلة لمعالجة القضايا الأساسية، وتعزيز بيئة مواتية للدبلوماسيَّة وحلّ الصراعات. وينبغي بذل جهود استباقية لإطفاء نيران الخلاف، والتأكيد على أهمية الحوار والتعاون والالتزام الجماعيّ بالاستقرار الإقليميّ.
إن رفاهية المجتمعات في القرن الأفريقي، وأمن طرق التجارة الحيوية، والمشهد الجيوسياسي الأوسع، كلها أمور تتوقف على الإدارة المسؤولة والحكيمة للوضع الحالي.
بفلم الدكتور عبد الرحمن عبد الله باديو
كاتب وسياسي من الصومال.
المصدر : الجزيرة القطرية.