مقديشو 18 نوفمبر/ تطرق القائم بأعمال سفارة السودان في مقديشو، سعادة عمار بابكر علي، لآخر المستجدات في الأوضاع السودانية، والحرب الدائرة حاليا، وتأثيراتها على الشعب السوداني، وفيما يلي نص المقابلة كاملا، كما بثّه التلفزيون الوطني الصومالي.
التفلزيون الوطني : السلام عليكم المشاهدين الأعزاء في كل مكان، يسرنا في السانحة أن نستضيف القائم بأعمال سفارة الجمهورية السودانية بالصومال السيد عمار أحمد بابكر علي ، مرحباً بكم سعادة السفير في تلفزيون الصومال القومي.
سعادة السفير عمار بابكر: في البدء أتقدم الشكر لتلفزيون الصومال القومي، على هذه الاستضافة الكريمة واشكركم على اهتمامكم بأمر السودان، واتاحة الفرصة لنا لتقديم إضاءات عن الوضع في السودان، وما يحدث فيه وهذا يعكس طبيعة العلاقات الخاصة بين البلدين. والعلاقات السودانية الصومالية علاقات ذات طبيعة خاصة، وهناك الكثير من التشابه الفريد بين الشعبين ثقافياً واجتماعياً ودنيياً وتاريخياً، وكذلك التطابق التام للتوجهات والمصالح الاستراتيجية في على المستوى الاقليمي والدولي، وفي تجارب الحرب والسلام مما يستوجب التنسيق والتعاون المشترك وبناء شراكة استراتيجية بين البلدين.
كذلك أرجوأن انتهز الفرصة وأشيد بالتطورات الإيجابية والإنجازات الكبيرة التي تحققت في الصومال خلال السنوات الماضية في كافة المجالات السياسية، والاقتصادية، والأمنية، التطور العمراني والاقتصادي الكبير في البلاد، والاستقرار الأمني ومما يؤكد أن الصومال في الطريق الصحيح، ونحن على ثقة أن الصومال أصبح دولة مهمة ومؤثرة في المنطقة بشكل عام، نتمنى للشعب الصومالي الشقيق، كل التقدم والازدهار فالصومال تملك كل مقومات النهضية من موقع استراتيجي وموارد هائلة، وشعب قوي، وقادر على العمل والتطوير والإبداع.
التلفزيون الوطني : ما هي أسباب الحرب في السودان؟ لم يكن الكثيرين يتوقعون مثل هذه الحرب لما عُرف به الشعب السوداني من تسامح ووعي ومقدرة على الحوار وحل الخلافات.
سعادة السفير عمار بابكر: أولاً لمعرفة طبيعة ما يجري في السودان فلا بد من إعطاء لمحة عن الوضع في السودان عشية الحرب، وعن نشأة قوات الدعم السريع . فقد تم إنشاء قوات الدعم السريع كقوة مساندة للجيش وتعمل تحت امرته، بقانون من البرلمان السوداني، وكانت تمثل سلاح المشاة للقوات المسلحة حيث تم تكوينها وتدريبها وتسليحها وإعدادها بطرق نوعية تناسب العمليات الخاطفة، وحرب المدن، وقد قامت بأدوار مهمة في حفظ الأمن في عدد من المناطق خاصة في دارفور.
- عقب الثورة، وتغيير النظام السابق في أبريل 2019، صعد قائد الدعم آنذاك إلي موقع الرجل الثاني في الدولة كنائب لرئيس مجلس السيادة. وحدث تطور ونمو كبير جداً للدعم السريع من حيث العدد والإمكانات العسكرية وكذلك تمدد نفوذه السياسي والاقتصادي داخل البلاد، وعلاقاته الخارجية.
- ونتيجة لذلك بدأت تتشكل طموحات سياسية لقيادة تلك القوات للوصول لمنصب الرئيس وتجاوز المؤسسة العسكرية. وفي ذات الوقت تدخلت جهات خارجية وقامت باغراء قائد المليشيا وقدمت له الكثير من الدعم المالي والعسكري لتمكينه من الوصول للسلطة لتتم عبره السيطرة على السودان.
- استشعرت قيادة الدولة، الخطر من سلوك قوات الدعم السريع وظهور طموحات قيادتها في السلطة وكذلك التنبه لخطورة خضوعها لهيمنة دوائر خارجية تحركها لخدمة مصالحها.
- تزامن ذلك من المفاوضات السياسية التي كانت تجري بين القوات المسلحة والقوى السياسية ضمن ما عرف آنذاك بالاتفاق الإطاري والذي أعلنت فيه القوات المسلحة التزامها بالخروج من السلطة وتسليم السلطة للقوى المدنية وفق ترتيبات متوافق عليها. ولكن قيادة الدعم السريع أرادت الخروج عن سيطرة القوات المسلحة ومستغلة عنها وهو ما رفضته القوات المسلحة باعتباره محاولة للاستغلال عن القوات المسحلة وتكوين قوات مسلحة بديلة مما سيشكل خطراً على أمن البلاد واستقرارها، ولذلك أصرت قيادة على أن يتم دمج قوات الدعم السريع داخل الجيش قبل أن يتم التوقيع على الاتفاق، ولكن قوات الدعم السريع رفضت، مما أكد أن هناك نوايا مبيتة. وإثر إصرار القوات المسلحة على دمج قوات الدعم السريع لم يكن أمام قيادة تلك القوات إلا أن تقوم بتدبير مكيدة للاستيلاء على السلطة بالقوة وهو ما بدأ الحشد له قبل شهر من الحرب وبدأ تنفيذه فعلياً في محاولة الانقلاب يوم 15 أبريل.
- تمكنت القوات المسلحة بحمد الله من افشال محاولة الاستيلاء على السلطة في أيامها الأولى عبر عمل عسكري وأمني محترف، وعندما فشلت تلك الخطة لجأت القوات المتمردة للخطة ب وهي محاولة السيطرة على البلاد بواسطة الحرب الطويلة، وإطالة أمد الحرب وتوسيع نطاقها، ولكن أيضاً تمكنت القوات المسحلة من التصدي لهذه المحاولة رغم الإعداد الكبير لها ،وفي النهاية لجأت هذه القوات لإثارة المزيد من الفوضى والتدمير الممنهج وتهجير السكان وإرعابهم وهي بذلك تخدم مصالح القوى الخارجية الداعمة والتي تسعى لتدمير السودان وتقسيمه.
- الآن أصبحت هذه القوات هائمة على وجهها وليس لديها هدف سياسي وواصلت جرائمها ضد المدنيين العزل بادعاء الدفاع عن الديمقراطية والدولة المدنية في مفارقة كبرى.
التلفزيون الوطني : ما هو موقف الحكومة السودانية من تمرد قوات الدعم السريع؟
سعادة السفير عمار بابكر: عقب تمرد هذه القوات تم حلها بواسطة الحكومة وفقدت الشرعية وبالتالي أصبحت مليشيا ولم تعد لها الصفة النظامية.
- ارتكتب المليشيا انتهاكات فظيعة من خلال تحويل حربها من حرب ضد الجيش إلي حرب ضد المواطنين حيث قامت باستهداف المدنيين، وارتكتب جرائم كبيرة شملت القتل والسرقة ونهب المملتكات والاغتصاب، والإبادة الجماعية كما تابع كل العالم تشريد الملايين من بيوتهم واحتلال المساكن والمقار المدنية من مستشفيات ومداراس وغيرها من المؤسسات، في تصرفات لا تشبه أخلاق السودانيين. وأثبتت المليشيا أنها مجموعة إرهابية، وصدرت ضدها العديد من التقارير الأممية من الدول والمنظمات التي أدانت انتهاكاتها وجرائمها.
- قامت المليشيا بنهب متحف السودان وتم بيع الآثار الموجودة مما أفقد البلاد ثروة لا تقدر بثمن وتمثل هوية وتاريخ السودان وحضارته لآلاف السنوات.
- نتيجة لتلك الانتهاكات فر المدنيون من مناطق سيطرة المليشيا والتي أصبحت مناطق مهجورة وانتقلت الحياة إلي مناطق سيطرة الجيش حيث يشعر الناس بالأمان.
- كذلك ونتيجة لاستهداف المليشيا للمدنيين قامت المقاومة الشعبية من شباب ومواطنين للدفاع عن أهلهم ومناطقهم ضد المليشيا التي عملت فيها قتلا وسرقة ونهبا، مما أضطرهم للدفاع عن أنفسهم تحت إشراف القوات المسلحة السودانية.
التلفزيون الوطني : ما هي محاولات الحل السلمي التفاوضي وما هي نتائجها، ولماذا لم تنجح في حل الأزمة سلمياً؟
سعادة السفير عمار بابكر: قبل الحرب بدأت الحكومة في التواصل مع قيادة الدعم السريع لإقناعها بعدم شق عصا الطاعة على القوات المسلحة وعدم الدخول في مغامرات قد تكون نتائجها كارثية على البلاد، ولكن لم ينجح ذلك المسعى بكل أسف.
- عقب اندلاع الحرب مباشرة أبدت الحكومة استعدادها وترحيبها بمبادرات وقف الحرب عن طريق التفاوض، حيث استجابت للمبادرة السعودية الأمريكية المشتركة وتم عقد مباحثات جدة على جولتين وتم خلالها الاتفاق على عدة نقاط أساسية لوقف الحرب منها خروج المليشيا من المناطق المدنية مثل المستشفيات ومباني الوزارات وغيرها التي استخدمتها المليشيا كمرافق عسكرية ومنازل المواطنين التي تملكها أفراد المليشيا بعد طرد أصحابها بالإضافة إلي وقف الانتهاكات ضد المدنيين ووقف إطلاق النار.
- ولكن لم تلتزم المليشيا، ورفضت الخروج من المواقع المدنية ولم تلتزم بوقف إطلاق النار، ولذلك لم يكن من الممكن الاستمرار في التفاوض في ظل عدم الالتزام بتطبيق ما تم الاتفاق عليه.
- تمت محاولات أخرى في عدد من المنابر ولكن موقف الحكومة أنه لا بد من تنفيذ ما تم الاتفاق عليه أولاً في جدة وعدم القفز عليه لتمكين المليشيا من التنصل من التزاماتها والدخول في سلسلة من حوار متطاول لكسب الوقت.
التلفزيون الوطني : ما هو موقف الصومال في الأزمة ودعم الأشقاء في السودان
سعادة السفير عمار بابكر: منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب أعلنت الصومال دعمها للحكومة السودانية ومؤسسات الدولة والقوات المسلحة كما أصدرت بيانات إدانة وتنديد بانتهاكات المليشيا وجرائمها.
- قام الصومال بجهود حثيثة بقيادة السيد وزير الخارجية أحمد معلم فقي، وقدم دعم قوي للسودان في كل المنابر الدولية والاقليمية في ايقاد والاتحاد الأفريقي ومجلس حقوق الانسان وفي الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي.
- قدمت وزارة التربية والتعليم الصومالية ثلاثين منحة دراسة للطلاب السودانيين حتى يتمكنوا من مواصلة دراستهم بالصومال.
- استقبل الصومال عدد كبير من الكوادر السودانية خاصة الأطباء والأساتذة والخبراء الذين أصبحوا عوناً لاخوانهم الصوماليين في تحقيق النهضة والتقدم باذن الله.، وقد ساهم الأطباء في توطين العلاج في الصومال وعمل نقلة كبيرة في المجال الطبي في الصومال، ويجد السودانيون كل الترحاب باعتبارهم ليسوا أجانب وانما أهل بلد وفقاً لتوجيهات فخامة رئيس الجمهورية الدكتور حسن شيخ محمود.
- قامت جمعية خريجي الجامعات السودان “صوم صود ” بنشاط كبير وتنبت حملة شعبية للتضامن مع السودان، وأحيي قيادة الجمعية وأعضائها، وأقيمت عدة فعاليات لدعم السودان في إطار ما أسموه مبادرة رد الجميل للسودان، والصوماليون أهل وفاء وكرم ونحن نقدر لهم ذلك عالياً وسيبقى أثره في سجل العلاقات الأخوية بين الشعبين ولن ينسى الشعب السوداني، وقوف أشقائه في الصومال معه.
- كذلك هناك عدد من المراكز البحثية والاكاديمية عقدت عددا من الندوات حول الوضع في السودان مثل مركز مقديشو للبحوث والدراسات، ومركز القرن للسلام والتنمية مما يؤكد اهتمام الصوماليين بالوضع في السودان.
- أقامت سيدات الصومال حفل استقبال لشقيقاتهن السودانيات في لمحة تؤكد أصالة ووفاء الشعب الصومالي.
- هناك اهتمام كبير بالسودان من السياسيين بمختلف توجهاتهم ورموز المجتمع والمفكرين والأكادييمين ورجال الطرق الصوفية، وأئمة المساجد، وجموع الشعب الصومالي بشكل عام.
التلفزيون الوطني : ما هو الموقف الراهن للحرب من ناحية عسكرية وسياسية
سعادة السفير عمار بابكر: خلال الفترة الماضية بدأت القوات المسلحة، تحرير عدد كبير من المناطق التي سيطرت عليها المليشيا في كافة المحاور وقامت بتقدم كبير خاصة في العاصمة الخرطوم ووسط السودان، والآن تتم محاصرة ما تبقى من قوات التمرد في مدنية ود مدني بولاية الجزيرة وفي وسط العاصمة وبعض الجيوب الصغيرة، وتحرز القوات المسحلة يومياً تقدم جيد لتحرير هذه المواقع والذي نتوقع أن يتم في القريب العاجل بإذن الله.
- بدأت حركة انشقاقات واسعة وسط قيادات كبيرة في المليشيا عسكرية وسياسية وهروب كثير من القوات من الميدان عندما تأكد لهم فشل مشروع المليشيا.
- ما قام به الجيش السوداني يعد معجزة بالمقاييس العسكرية، حيث تمكن من صد قوة ضخمة مدججة بأسلحة حديثة ومدعومة عسكرياً ومالياً وسياسياً من دول غنية.
- كانت الكثير من الجهات الإقليمية والدولية تروج لامكانية تفكك الجيش السوداني وبالتالي انهيار الدولة السودانية ولكن ثبت أن القوات المسلحة السودانية صامدة ومتماسكة وهي مؤسسة قوية وعريقة وتمثل العمود الفقري للدولة السودانية.
- ومع استمرار الحرب وتماسك الدولة وتقهقر المليشيا ظهرت خلال الفترة الماضية تحولات كبيرة في مواقف كثير من القوى الاقليمية والدولية لصالح السودان بما في ذلك عدد من الدول والمنظمات والتي بدأت تتفهم المشلكة بشكلها الحقيقي باعتبارها تمرد من مليشيا ضد الدولة، وليست حرب بين جنرالين كما كانت تروج بعض الجهات المعادية للسودان.
التلفزيون الوطني : ما هي رؤية الحكومة السودانية للحل؟
سعادة السفير عمار بابكر: الحكومة تفضل الحل السلمي القائم على حل جذور المشكلة وأسبابها والمتمثل في وجود قوات عسكرية خارج إطار المؤسسة العسكرية مما يخلق وضعية شائهة ويهدد أمن واستقرار البلاد. وأي حل تفاوضي يؤدي إلي تلك الغاية فإن الحكومة ستوافق عليه بالـتأكيد ولكن المليشيا ترفض ذلك حتى الآن. كذلك وبعد الممارسات البشعة التي قامت بها المليشيا ورفضها الالتزام بكل الاتفاقات فإن قرار الحكومة هو القضاء على التمرد كهدف رئيسي، ويشمل هذا القضاء عليه أما عن طريق الحرب أو عن طريق التفاوض.
- لن يقبل الشعب السوداني أن يكون لهذه المليشيا أي دور في المشهد السياسي والعسكري بعد تمردها وممارساتها ضد المواطن وتدميرها للبلاد، ولن يكون هناك مواطن سوادني آمن في بيته وأسرته في ظل وجود مثل هذه المليشيا، ,لن يقبل الشعب أن تفرض عليه المليشيا نفسها عليه بالقوة.
- مع التقدم المستمر للقوات المسلحة ظهر جلياً أن الجيش ومن خلفه الشعب قد كسب الحرب وتم كسر شوكة التمرد، وبدأ يتراجع وينهار بوتيرة متسارعة خلافاً لما حدث في الفترة الماضية.
- الحرب في خواتيمها باذن الله ،، وان طالت فإن الشعب لا يهزم وأن الحق لا يهزم وأن التمرد إلي زوال باذن الله والدولة باقية والشعب باق.
- ستمثل الحرب علامة فارقة في تاريخ السودان وأن السودان بعدها لن يكون كما كان قبلها وأن شاء الله يتم اعادة البناء على أسس قوية وراسخة ،، السودان دولة قوية وسوف تصمد وتجتاز التحدي باذن الله وكما الصومال فإن الأمم العظيمة تولد من رحم التحديات الجسيمة.
التلفزيون الوطني : شكرا، سعادة السفير بابكر، على هذا الحوار الثري.
سعادة السفير عمار بابكر: وأنتم بألف خير، شكرا جزيلا.
أجرى المقابلة : الصحفي أحمد محمود