كان إطلاق الحوار الوطني في الصومال يوم 16 يونيو الجاري، محاولة طال انتظارها للانتقال من حالة الشلل السياسي المستمر إلى التوافق الوطني. لم يكن الحوار مثالياً ولا كاملاً، لكنه كان حقيقياً. ومع ذلك، فإن قيام بعض رموز المعارضة الآن بالتنديد بعملية اختاروا هم عدم المشاركة فيها يمثل قمة النفاق السياسي. لا يمكنك الادعاء بأنك مُستبعد من مائدة اخترتَ طواعية ألا تجلس عليها.
لنكن واضحين: الرئيس وجّه دعوة مفتوحة لجميع الفاعلين السياسيين، من قادة سابقين، ومعارضين، وممثلين عن المجتمع المدني، وعلماء دين، وأحزاب سياسية مُسجّلة.
لم يتم اختيار أحد بعينه، ولم يُحرم أحد من مقعد. الاستبعاد الوحيد الذي حدث هو قرارهم هم بعدم الحضور — وهو قرار لا يمنحهم حق التعليق على من حضر. التظاهر بالاستبعاد مع رفض المشاركة هو نوع من الخداع الفكري والغباء السياسي. هذه ليست “مشاكل حوار أحادي”، بل موقف بعض الأطراف الذين فضلوا البقاء على الهامش، مكتفين بالشكوى دون تقديم أي مساهمة حقيقية.
المنتقدون اليوم يقولون إن الحوار كان مليئًا بحلفاء الحكومة والمقربين منها. ولكن كيف يتوقعون التمثيل وهم رفضوا أن يمثلوا أنفسهم؟ هؤلاء الذين يتهمون الرئيس بأنه يتحدث لنفسه وحده، عُرضت عليهم الميكروفونات والمقاعد والتغطية الوطنية، ومع ذلك اختاروا الغياب. هذا ليس تهميشًا، بل تخبط سياسي. القيادة تعني الحضور، حتى في الظروف الصعبة، لا الاختباء وراء منشورات مواقع التواصل أو بيانات صحفية سطحية بينما يناقش الوطن قضاياه المصيرية.
أما وصف نظام “الصوت الواحد للشخص الواحد” بالخداع، فهو أمر مثير للسخرية، خاصة عندما يأتي من سياسيين لم يقدموا يومًا بديلاً عمليًا ذا مصداقية.
الإطار القانوني الحالي في الصومال يخضع للإصلاح لأن الانتخابات غير المباشرة لم تعد قابلة للاستمرار. ما يقترحه الرئيس — الانتقال التدريجي نحو الاقتراع العام — ليس وهماً بل طريقاً واقعياً للأمام بعد عقود من الجمود. نعم، التحديات موجودة، لكن رفض المسار بأكمله لأن الخطوة الأولى ليست مثالية هو انتحار سياسي.
المعارضة تقول إنها تدعم الإصلاح الانتخابي لكنها رفضت كل محاولة عملية لتطبيقه. لا يمكنك محاربة الانتخابات غير المباشرة ثم تقاطع المسار الذي يحاول استبدالها.
أما بالنسبة لعملية إتمام الدستور، فقد نوقشت بشكل علني وشفاف داخل البرلمان، وجرت الجلسات ببث مباشر، مع تغطية إعلامية كاملة وتوثيق للمقترحات. من لديه اعتراض على المواد 69 أو 89 أو 90، دُعي لطرح اعتراضه رسميًا وأمام الجميع، تحت قبة البرلمان، لكنه لم يحضر، مثلهم مثل كثير من أعضاء البرلمان الصومالي. بدلاً من ذلك، فضلوا الصراخ من فوق الأسطح. هذا ليس موقفًا مبدئيًا، بل مسرحية سياسية رخيصة.
علينا أن نكف عن التظاهر بالأخلاقية العليا. لا أحد يحتكر صفة المعارضة، ولا أحد له الحق في فرض روايته دون منازع. المعارضة الحقيقية تقدم بدائل، لا مجرد اتهامات. الصومال يستحق أفضل من معرقلين يكتفون بالتذمر من بعيد بينما الآخرون يعملون لبناء الدولة.
في السياسة، لا يمكنك المطالبة بالحوار وأنت ترفض كل فرصة للمشاركة. لا يمكنك الدفاع عن الديمقراطية وأنت ترفض أبسط أعمدتها: المشاركة. كان هناك زمن في الصومال يتوسل فيه السياسيون للحصول على مقعد على طاولة الحوار مع الحكومة، وكان مجرد التعبير عن الرأي المختلف يمثل مخاطرة شخصية. اليوم، انعكست الصورة: لقد جهّزنا منصة التشاور الوطني، وذهبنا للبحث عن المخالفين لنا في الرأي، وناشدناهم أن يتحدثوا بحرية، ليس فقط معنا بل مع شعبهم.
إلى من شاركونا وإلى من غابوا: طريق الحوار والتوافق لا يزال مفتوحًا. لكن التاريخ لن ينتظر من يهرب من لحظة الحوار. إذا اخترتَ أن تستبدل الحضور بالاحتجاج، والمضمون بالتذمر، فلا تتوقع أن تترك إرثًا — بل توقع أن تترك خلفك فراغًا.
* وزير العدل والشؤون الدستورية في الحكومة الصومالية الفيدرالية.
** الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة موقف منصة بوابة الصومال.