بقلم / عبد الرحمن عبد الشكور*
غالبًا ما يُساء فهم التهديد المستمر الذي تمثله حركة الشباب في الصومال. فهذه الجماعة المسلحة ليست السبب الجذري لعدم الاستقرار، بل انعكاس لأزمات أعمق تراكمت عبر عقود من انهيار الدولة، وتآكل المؤسسات، والحكم القائم على الاستغلال والفساد.
وقد وفرت هذه البيئة المأزومة التربة الخصبة لانتشار التطرف. وللقضاء على حركة الشباب، لا بد من مواجهة أزمات الشرعية، والفساد، والإقصاء التي تغذي التمرد وتبقيه حيًا.
التربة الخصبة للتطرف
نشأت حركة الشباب في ظل فراغ الدولة وتغول النخب الحاكمة، وسط منظومة من الظلم المُمأسس. وحين تتحول أجهزة الحكم إلى أدوات للإثراء الشخصي بدلًا من خدمة المواطنين، ويستشري الفساد وتحتكر القلة السلطة، تتزايد مشاعر الإحباط، ويصبح الشباب فريسة سهلة لأفكار التطرف.
واليوم، تتهم أطراف عدة إدارة الرئيس حسن شيخ محمود بتكريس الممارسات ذاتها التي تمنح الحركة أسباب البقاء، من فساد ممنهج، وتعيينات قائمة على المحسوبية، وتسخير موارد الدولة لأغراض سياسية. ومع تراجع الثقة في مؤسسات الدولة، يزداد نفوذ المسلحين. ومن دون إصلاحات جذرية، ستبقى أي انتصارات عسكرية مؤقتة.
حدود المعالجة العسكرية
رغم أن العمليات الأمنية ضرورية، إلا أن التجارب الدولية في مكافحة التمرد تؤكد أن القوة وحدها غير كافية. لا بد أن يتحول الجيش الوطني الصومالي إلى مؤسسة محترفة وموحدة، تعمل وفق تفويض وطني جامع، بعيدًا عن الولاءات القبلية والتجاذبات السياسية. لكن حتى أكثر الجيوش كفاءة لن تنجح إذا كانت الحكومة التي تخدمها تفتقر إلى الشرعية والقبول الشعبي.
الحوكمة كسلاح مضاد للتطرف
السلاح الأقوى ضد الإرهاب هو بناء دولة عادلة وفاعلة. فحين يثق المواطنون بأن الحكومة تمثل مصالحهم، يصبحون شركاء في حماية الاستقرار. ويتطلب ذلك:
1. حرب حقيقية على الفساد: لا تكفي الإجراءات الرمزية، بل لا بد من إنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد، تتمتع بصلاحيات قضائية واسعة، وتكون محصنة من التدخل السياسي، وقادرة على محاسبة الجميع دون استثناء.
2. سياسة جامعة تتجاوز الحسابات القبلية: يتحقق الاستقرار من خلال الحوار وتقاسم السلطة بين مختلف المكونات، لا عبر الإقصاء. فحكومة تمثل التنوع الصومالي تحرم حركة الشباب من خطابها الانقسامي.
3. العدالة والكرامة الاقتصادية: يزدهر التطرف في بيئة الظلم. وجود قضاء نزيه وتوزيع عادل للموارد يقللان من المظالم التي تستغلها الحركة. كما أن خلق فرص عمل للشباب وتنفيذ إصلاحات اقتصادية يحد من قاعدة التجنيد.
القيادة المطلوبة
الصومال بحاجة إلى قيادة تخرج من أسر الجمود، وتتبنى رؤية عملية تستبدل:
• الطقوس والشعارات بالقرارات الفاعلة
• الجمود الفكري بالحلول الواقعية
• المصلحة الشخصية بخدمة الوطن
عقد اجتماعي جديد
المعركة مع حركة الشباب هي صراع على هوية الصومال ومستقبله. وحسمها لن يتم في ميادين القتال فقط، بل في حياة المواطنين اليومية حين يختارون بين دولة فاسدة ووعود زائفة يقدمها المتطرفون.
الطريق واضح: دولة يحكمها القانون لا نزوات الحاكم، موحدة بالمواطنة لا بالانتماء القبلي، وموجهة نحو المستقبل لا أسيرة الماضي.
بهذا النهج وحده يمكن بناء أمن مستدام وهزيمة حركة الشباب بشكل حقيقي.
- عبد الرحمن عبد الشكور ، نائب في البرلمان الصومالي ، وزير التخطيط والتعاون الدولي الأسبق ، مرشح رئاسي.
- المقال نشر باللغة الإنجليزية في موقع الزميلة “دوان أفريكا” والترجمة من بوابة الصومال
- الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن رأي الكاتب فقط.