بقلم ؛ العميد/ مهدي عمر مؤمن *
كنتُ في ريعان الشباب حين انطلقتُ في مسيرة البحث عن السلام في مدينتي. لم يكن بحوزتي سوى العزيمة والأمل، فانضممتُ مع رفاقي إلى صفوف قوات “اتحاد المحاكم الإسلامية”، نحمل حلمًا واحدًا: أن تعود الطمأنينة إلى شوارع مقديشو. كنا صغارًا، نترقب اليوم الذي نلتحق فيه بالجيش النظامي بعد أن تضع الحرب أوزارها، مؤمنين بأن تضحياتنا قد تفتح للصومال بابًا نحو غدٍ أفضل.
غير أن عصر الأربعاء، السابع والعشرين من مايو 2009، غيّر مسار حياتي. فبعد صلاة العصر مباشرة، فاجأنا مقاتلو حركة الشباب الإرهابية بهجوم مباغت على النقطة التي كنا نتمركز فيها. لم تمضِ سوى لحظات حتى امتلأ المكان بالدخان والرصاص والصيحات. سقط أصدقاءٌ كانوا أقرب إليّ من الإخوة – بينهم “نور آدم دَلَبعو” وسعيد روبلي غيلهوري – فيما أصبتُ بجروح بليغة. كان ذلك اليوم جرحًا في القلب، ونقطة فاصلة بين من ضحّوا بصدق من أجل الوطن، ومن حوّلوا بنادقهم ضد أبناء بلدهم.
واليوم، وبعد ستة عشر عامًا على ذلك المشهد الدموي، عدتُ إلى نفس المكان. لكن عودتي لم تكن بدافع الحرب، بل باسم الديمقراطية. فقد وقفتُ هناك لأسجل نفسي كناخب. الأرض التي شهدت دماء الأصدقاء أصبحت ساحةً يقف فيها الصوماليون صفًا واحدًا بطمأنينة، يملأ الضحك وجوههم بدلًا من أزيز الرصاص، ويتقدّم الشباب بثقةٍ لاستلام بطاقة انتخابية تحفظ مستقبلهم.
حين تسلّمتُ تلك البطاقة، شعرت أنها ليست مجرد ورقة، بل شهادة حياة. إنها برهان أن تضحياتنا لم تذهب هباءً، وأن مقديشو تغيّرت لتصبح مدينةً تُصنع فيها القرارات بالبطاقات لا بالرصاص. بالنسبة لي، كانت تلك اللحظة أرفع وسام على صدري، ووفاءً لذكرى من استشهدوا دون أن يروا هذا اليوم.
وبصفتي مفوّض شرطة إقليم بنادر، أستمد من هذه التجربة قوةً متجددة، وعزيمةً راسخة لضمان أن تكون أول انتخابات مباشرة في مقديشو منذ 56 عامًا انتخابات آمنة، نزيهة، وحرة. رحلتي – من شاب جريح في ساحات القتال ضد التطرف، إلى شاهدٍ يقود شعبه نحو صناديق الاقتراع ويحميها – رسالة إلى شباب الصومال جميعًا: لا يهم كم كان الماضي مظلمًا، فبإرادتكم وصمودكم والتزامكم يمكنكم أن ترسموا مستقبل هذا الوطن.
—————
- العميد مهدي عمر مؤمن، قائد جهاز الشرطة في مقديشو.
- المقال نشر باللغة الإنجليزية في موقع الزميلة “دوان أفريكا” والترجمة من بوابة الصومال.
- الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن رأي صاحبها فقط.