هل حان الوقت لتوطين زراعة القات في الصومال؟ (مقال رأي)

بقلم / علي حلني*

منذ عقود، يواصل الصومال استنزاف اقتصاده الهش عبر استيراد القات من كينيا وإثيوبيا واليمن. ملايين الدولارات تُدفع يوميًا نقدًا لتجار ومزارعين في دول الجوار، بينما يبقى الداخل الصومالي بلا مردود اقتصادي، ولا فرص عمل، ولا صناعة وطنية تعكس حجم الاستهلاك الكبير لهذه النبتة.

وبغض النظر عن الجدل الفقهي أو الصحي أو الأخلاقي حول القات، فإن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أنه أصبح واقعًا اجتماعيًا متجذرًا، يُستهلك على نطاق واسع في المدن والقرى والأرياف، ويعمل فيه عشرات الآلاف من المواطنين. وإذا كان هذا هو الواقع، فإن السؤال الملح هو: لماذا نسمح لاقتصادات الآخرين بالاستفادة من هذا السوق، دون مقابل تجاري، بينما نرفض أن نجني نحن ثماره محليًا؟

الأرقام صادمة: مئات الملايين من الدولارات تتدفق سنويًا إلى خارج البلاد مقابل القات. هذه الأموال كان يمكن أن تُستثمر في الداخل لتطوير الزراعة، وخلق وظائف، وتمويل مشاريع تنموية. إن استمرار هذا الوضع لا يعني فقط نزيفًا اقتصاديًا، بل أيضًا إهدارًا لفرصة استراتيجية يمكن أن تساعد في تخفيف البطالة، وتوسيع القاعدة الضريبية، وتنشيط قطاعات مساندة مثل النقل، والتغليف، والتوزيع.

الصومال يمتلك كل المقومات لزراعة القات على نطاق واسع: أراضٍ خصبة، مناخ مناسب، وأيدٍ عاملة تبحث عن عمل. ما ينقص هو القرار السياسي والإرادة الاقتصادية. فزراعة القات محليًا ليست مجرد إمكانية، بل خيار واقعي لتقليل العجز التجاري مع دول المصدرة ، وإبقاء الأموال داخل البلاد. والأهم أنها تتيح للدولة فرصة تنظيم السوق، ووضع معايير صحية ورقابية، وفرض ضرائب يمكن إعادة استثمارها في قطاعات التعليم والصحة والبنية التحتية.

في المقابل، الإصرار على الاستيراد وحده يعني استمرار التناقض القائم: شعب يستهلك بكثافة، واقتصاد لا يستفيد شيئًا. وإذا كان القات مضرًا فعلًا – كما يرى كثيرون – فإن المنطق يقتضي حظره تمامًا، لا الإبقاء على استيراده وتحويله إلى مورد اقتصادي للآخرين.

تجارب الجوار تثبت أن القات يمكن أن يتحول إلى صناعة مربحة ومنظمة. إثيوبيا تصدر القات وتدر عليها بعائدات ضخمة، وكينيا توظف قطاعًا كاملًا لخدمة هذه التجارة، بينما يبقى الصومال مستهلكًا سلبيًا.

إن تبني خيار الزراعة المحلية لا يعني تجاهل المخاوف الاجتماعية أو الصحية، بل على العكس، يمنح الدولة فرصة لفرض رقابة ومعايير، بدلًا من ترك السوق بيد المستوردين والتجار غير المنظمين.

اليوم، ونحن نواجه أزمات اقتصادية وبطالة متفاقمة وعجزًا تجاريًا متصاعدًا، لم يعد النقاش حول زراعة القات رفاهية فكرية، بل ضرورة اقتصادية. فالمسألة لم تعد “هل يُستهلك القات أم لا”، بل “هل يستمر الصومال في إفقار نفسه عبر الاستيراد، أم يملك الشجاعة ليحوّل واقعه إلى مصدر قوة اقتصادية؟”.

  • علي حلني ، كاتب وصحفي يعمل ويقيم في مقديشو.
  • المقال نشر باللغة الإنجليزية في موقع الزميلة “دوان أفريكا” بتاريخ 13 مايو 2025, والترجمة من بوابة الصومال.
    ⁠ الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن رأي صاحبها فقط.