الرئيس الكيني: “رايلا كان عملاقاً سياسياً شكّل ملامح الأمة”

بقلم/ كيبهر أوتيونو- خدمة دوان أفريكا.

في مشهد نادر من الوحدة الوطنية، أعلن الرئيس الكيني ويليام روتو فترة حداد وطني وأقرّ إقامة جنازة رسمية بمراسم عسكرية كاملة لرحيل رئيس الوزراء الأسبق رايلا أمولو أودينغا.
ويُعدّ هذا القرار لحظة تاريخية، ليس فقط لما يحمله من رمزية، بل لما يعكسه من إدراك لمكانة أودينغا وتأثيره العميق في المشهد السياسي الكيني.

بموجب مرسوم رئاسي صادر عن القصر الرئاسي في نيروبي، أمر روتو برفع العلم الوطني نصف السارية على جميع المباني الحكومية والمنشآت العسكرية والبعثات الدبلوماسية الكينية في الخارج.
وفي لفتة إضافية من الاحترام، وجّه الرئيس بعدم رفع العلم الوطني على سيارات كبار المسؤولين الحكوميين، بما فيهم هو شخصياً، طوال فترة الحداد — وهو تجاوز استثنائي للبروتوكول الرسمي.

هذه الإجراءات تجسّد الأثر الوطني العميق لحياة أودينغا ومسيرته. فالرجل الذي يُوصف بأنه وجه كينيا في رحلتها الطويلة نحو الديمقراطية الناضجة، ترك إرثاً سياسياً وإنسانياً واسع المدى.
وقد لخّص الرئيس روتو هذا المعنى في كلمته قائلاً إن أودينغا كان: «أب ديمقراطيتنا، ومناضلاً لا يكلّ من أجل العدالة الاجتماعية، وأحد أبرز دعاة الوحدة الأفريقية، ورجل دولة لا نظير له».

وامتدّ مشوار أودينغا السياسي لعقود، لعب خلالها أدواراً محورية في النضال من أجل التعددية الحزبية والإصلاح الدستوري، كما كان رمزاً مركزياً في العديد من الدورات الانتخابية التي شكّلت الوعي السياسي الحديث في كينيا.
ويُنسب إليه الفضل في تأسيس الخطاب الوطني حول الحكم الرشيد وحقوق الإنسان والعدالة الانتخابية — وغالباً بثمن شخصي وسياسي باهظ.

وتحدث روتو أيضاً عن دور أودينغا في حركة التحرير الثانية وصياغة دستور عام 2010، واصفاً إياه بأنه «صاحب رؤية نادرة العزم، ومدافع عن المظلومين».

ويُعدّ هذا الخطاب نغمةً استثنائية من الاحترام، نظراً للتنافس السياسي الحاد الذي جمع بين الرجلين لعقود. غير أن علاقتهما — المليئة بالتقاطع بين التعاون والصدام — تعكس قصة تطور السياسة الكينية ذاتها.

إن قرار الرئيس بمنح أودينغا جنازة دولة بمراسم عسكرية يضعه ضمن أرفع الشخصيات الوطنية في تاريخ كينيا، جنباً إلى جنب مع جومو كينياتا ودانيال آراب موي، تأكيداً على أن إرثه تجاوز حدود الانتماءات الحزبية.

ويأتي رحيل أودينغا في وقتٍ تشهد فيه كينيا تحولات سياسية جيلية وصعوداً متزايداً لدور المجتمع المدني. وفي هذا السياق، يُنظر إلى خطوة روتو كعلامة على نضج سياسي واعترافٍ بأن مستقبل البلاد لا يمكن فصله عن تضحيات رواد الإصلاح الذين مهدوا الطريق.

وفي ختام كلمته، وجّه الرئيس تعازيه الحارة إلى السيدة إيدا أودينغا وإلى أسرة أودينغا قائلاً: «نسأل الله أن يُعزّي أسرته، وأن يُخلّد ذكراه، وأن يُحتذى بمثاله».

كلماتٌ عبّرت عن وجدان الأمة في لحظة حزنٍ وتأملٍ في آنٍ واحد — حزن على الفقد، وتأمل في المسار الديمقراطي الذي ساهم أودينغا في رسمه.

ومع استعداد كينيا لتوديع أحد أبرز أبنائها، يبدو أن النغمة التي أطلقها الرئيس روتو تؤكد إجماعاً وطنياً نادراً:
إن إرث رايلا أودينغا يتجاوز حدود السياسة، ويظل رمزاً للنضال والصمود والأمل.