بقلم / على حَلني.
في الصومال، لطالما كانت العلاقة بين المواطنين وقادتهم محكومة بالعاطفة أكثر من المساءلة. فالرؤساء والوزراء وزعماء الولايات يُعاملون كرموز بطولية يُحبّون أو يُخاف منهم، بدلاً من كونهم موظفين عموميين مدينين بنتائج وأداء ملموس. هذا الارتباط العاطفي حوّل الحكم إلى منافسة في الولاء بدلاً من أن يكون نظاماً قائماً على المسؤولية.
عندما تفقد المؤسسات هويتها
على المستويين الفيدرالي والولائي، غالباً ما تطغى الشخصيات على المؤسسات. فالمؤسسات الحكومية والبرلمانات والهيئات تُعرف بأسماء من يقودها لا بإنجازاتها. الطرق والمستشفيات والمدارس تُنسب إلى أفراد معينين وكأنها مشروعات من أموالهم الخاصة، وليست ممولة من المال العام.
المواطن المسؤول لا يحب المؤسسات ولا يكرهها، بل يحترمها ويطالبها بالكفاءة والمساءلة. وعندما يؤدي المسؤول واجبه، فإنه ببساطة يقوم بعمله. أما عندما يفشل، فيجب مساءلته — لا التصفيق له.
وهم الامتنان
في الصومال، يُساء توجيه الامتنان في كثير من الأحيان. فالمواطنون يشكرون المسؤولين على افتتاح مستشفيات أو تدشين طرق تموَّل من أموال دافعي الضرائب والجهات المانحة. هذا الوهم بالكرم يطمس الحدود بين الخدمة والمنة، ويحوّل الواجب العام إلى تفضّل شخصي. إن التصفيق لمسؤول لأنه أدى عمله الرسمي يشبه شكر ماكينة الصراف الآلي لأنها سلّمتك أموالك الخاصة. مثل هذا السلوك يُضعف الوعي المدني ويُقوّي جذور الفساد.
كلفة السياسة الشخصية
عدم الاستقرار السياسي في الصومال لا يتعلق بالأمن أو الموارد فحسب، بل أيضاً بسيطرة الشخصيات على النظام. الولاءات تتبدل بتبدل الأفراد لا المؤسسات، والسياسات تتغير وفق العلاقات لا القوانين. والنتيجة نظام هشّ يبدأ من الصفر مع كل إدارة جديدة، يهدم ما قبله بدلاً من البناء عليه.
هذا النمط من التسييس الشخصي يغذي انعدام الثقة بين الحكومة الفيدرالية والولايات الأعضاء، وبين الوزارات والهيئات، وحتى داخل الأحزاب السياسية نفسها. إنه يثبط النقد ويُضعف الإصلاح. أمة تعتمد على إرادة الأفراد بدلاً من قوة القوانين ستبقى دوماً عرضة للاضطراب.
بناء جمهورية القوانين
مستقبل الصومال يكمن في ترسيخ مؤسسات تتجاوز أعمار قادتها. فالإصلاح الحقيقي يتطلب قضاءً يحمي المواطنين بغض النظر عمّن يحكم، ووزاراتٍ تخدم بعدالة، وإعلاماً يُسائل السلطة بدلاً من ممالأتها. يجب أن تكون الصحافة “السلطة الرابعة” لا “الزوجة الرابعة” — مستقلة، نقدية، وحرة.
إن الوطنية الحقيقية لا تُقاس بحب الحكام، بل باحترام القانون. ولن يتقدم الصومال إلا عندما يستبدل المواطنون الولاء العاطفي بالمسؤولية المدنية، ويدرك القادة أن سلطتهم مؤقتة، وتصبح المؤسسات — لا الأصنام — هي التي تحدد مصير الوطن.
——————/
علي حلني هو صحفي وباحث صومالي متخصص في شؤون أفريقيا والشرق الأوسط، ومؤسس مشارك في البرلمان الثقافي الصومالي.
الآراء الواردة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف منصة «بوابة الصومال »