بقلم: بناديتا مورا- خدمة دوان أفريكا.
تُعدّ المسيرة السياسية الطويلة لرايلا أودينغا قصة إصلاح اقتصادي وتحول وطني.
فبعيداً عن المظاهرات والانتخابات، ساهم أودينغا في صياغة الرؤية الاقتصادية لكينيا، التي شملت البنية التحتية والمساواة واللامركزية.
بصفته وزيراً للطرق والأشغال العامة والإسكان بين عامي 2003 و2005 في حكومة الرئيس مواي كيباكي (ائتلاف قوس قزح NARC)، قاد أودينغا حملة لتجديد البنية التحتية باعتبارها العمود الفقري للتنمية الوطنية.
وفي تلك الفترة، أُطلقت مشاريع رئيسية مثل إعادة تأهيل الطرق السريعة الحيوية، وتوسيع شبكة الطرق في نيروبي، وتطوير الطرق الريفية.
وقد أسهمت جهوده في تمهيد الطريق أمام رؤية كينيا 2030، التي هدفت إلى تحويل البلاد إلى اقتصاد متوسط الدخل من خلال تطوير البنية التحتية على نطاق واسع، وتعزيز الصناعة والابتكار.
ومن أبرز إسهاماته في الهيكل الاقتصادي لكينيا دوره في ترسيخ نظام اللامركزية (Devolution) في دستور عام 2010.
فقد كان أودينغا لسنوات طويلة يجادل بأن التنمية الوطنية متركزة في نيروبي وعدد محدود من المدن الكبرى، بينما تُهمَل المناطق الأخرى.
جاء الدستور الجديد ليجسّد رؤيته لـ “التنمية حيث يوجد الناس”، مانحاً الحكومات المحلية سلطة التحكم في ميزانياتها وأولوياتها الخاصة.
وقد غيّر هذا الإصلاح وجه الحكم في البلاد، إذ مكّن الحكومات المحلية من تخطيط مشاريعها في مجالات الطرق والصحة والزراعة بما يخدم المواطنين مباشرة.
وأصبحت نتائجه الاقتصادية ملموسة في مقاطعات مثل ماكويني وكاكاميغا، حيث ساهمت الموارد اللامركزية في تحسين الرعاية الصحية والصناعات المحلية والخدمات الاجتماعية.
وخلال فترة حكومة الائتلاف الكبير (2008–2013) التي شغل فيها منصب رئيس الوزراء، تعمّق تأثير أودينغا في السياسات الاقتصادية.
فقد دعم الاستثمارات العامة في مجالات الطاقة وتوسعة الموانئ، بما في ذلك الأعمال التمهيدية لمشروع ممر لامو – جنوب السودان – إثيوبيا للنقل (LAPSSET)، الذي يُعد اليوم من أكبر مشاريع البنية التحتية في شرق أفريقيا.
وقد عززت هذه المبادرات قناعته بأن الترابط الإقليمي هو مفتاح النمو.
وكانت أفكاره غالباً تمزج بين التفكيرين الاقتصادي والسياسي، داعياً إلى سياسات توازن بين التقدم الوطني والشمول الإقليمي.
طوال مسيرته، ظل أودينغا ثابتاً في الدفاع عن التنمية العادلة.
انتقد السياسات التي تفضّل مناطق أو فئات محددة، وشدّد على ضرورة دعم التجار الصغار والمزارعين والشباب.
وتماهت رؤيته مع أفكار المشروعات الاجتماعية الحديثة، التي ترى أن النمو الاقتصادي يجب أن يُترجم إلى تحسين حياة المواطنين العاديين.
أما حركة “أزيميو ل أوموجا” (Azimio la Umoja) التي قادها عام 2022، فقد جسدت هذه المبادئ الراسخة: العدالة، واللامركزية، والمساءلة.
وحتى في موقع المعارضة، أثّرت دعواته لتعزيز الاقتصادات المحلية والإدارة الشفافة للأموال العامة في النقاش الوطني المستمر حول الضرائب، وخلق الوظائف، وتكاليف المعيشة.
اليوم، يمكن تتبع الإرث الاقتصادي لأودينغا في طرق كينيا السريعة، وحكوماتها المحلية اللامركزية، وسياساتها الإصلاحية التي تهدف إلى سد الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
وسواء نظر إليه كمصلح أو وطني أو زعيم معارض، فإن فلسفته الاقتصادية كانت واضحة: “يجب أن يخدم نمو كينيا الجميع، لا القلة فقط”.