نيروبي : كيفر أوتيونو – خدمة دوان أفريكا
مع دخول كينيا أسبوع الحداد الوطني، تتجه أنظار البلاد إلى الرحلة الأخيرة لرئيس الوزراء الأسبق رايلا أودينغا — الشخصية السياسية التي شكّلت المشهد الوطني لأكثر من أربعة عقود.
ومن المقرر أن يُدفن أودينغا يوم الأحد المقبل، تنفيذًا لوصيته بأن يُوارى الثرى خلال 72 ساعة من وفاته، وهي رغبة تعهدت الحكومة باحترامها، ليس فقط تكريمًا له، بل كتعبير رمزي لرجلٍ تحدّى الدولة طيلة مسيرته، ثم أصبح أحد أعمدتها.
وأعلن نائب الرئيس كيثوري كينديكي مساء الأربعاء تفاصيل مراسم الدفن، مؤكداً أن أودينغا سيُشيّع في جنازة دولة رسمية — وهي أعلى درجات التكريم التي تُمنح لرجل دولة في كينيا.
وستُرفع الأعلام الوطنية نصف السارية، كما ستُبث مراسم الجنازة مباشرة في جميع أنحاء البلاد، في دلالة على حجم الإرث السياسي لأودينغا والمكانة العاطفية التي يحتلها لدى الشعب الكيني.
برنامج الجنازة
سيبدأ برنامج الوداع بمراسم رمزية وتاريخية تمتد على مدى أربعة أيام:
• الخميس: تصل جثمان أودينغا إلى نيروبي الساعة 8:30 صباحًا، حيث سيستقبله كبار المسؤولين يتقدمهم الرئيس ويليام روتو، قبل نقله إلى مشرحة لي (Lee Funeral Home)، ثم إلى مبنى البرلمان في تمام 12:30 ظهرًا لتمكين المواطنين من إلقاء نظرة الوداع عليه في المؤسسة التي قاد فيها المعارضة لسنوات — في مشهدٍ يحمل دلالاتٍ تاريخية عميقة.
• الجمعة: تُقام مراسم الجنازة الرسمية في استاد نيايو بمشاركة وفود وزعماء من مختلف أنحاء أفريقيا، نظراً لمكانة أودينغا كـ قومي أفريقي (Pan-Africanist) ومناصرٍ للديمقراطية والإصلاح السياسي.
وستُنفّذ المراسم وفق البروتوكول الرسمي، تكريمًا لدوره القاري في تعزيز الحكم الديمقراطي.
وفي المساء، يُنقل الجثمان إلى منزله في كارين لقضاء ليلة وداع خاصة مع العائلة والأصدقاء المقربين.
• السبت: ينتقل الموكب إلى مدينة كيسومو، حيث سيوضع الجثمان في استاد موي من 9:00 صباحًا حتى 3:00 بعد الظهر، لإتاحة الفرصة أمام عشرات الآلاف من المواطنين لإلقاء النظرة الأخيرة. وتُعد كيسومو معقل أودينغا السياسي ومركز ولاء جماهيري واسع.
ومن هناك، يُنقل الجثمان إلى بوندو، مسقط رأسه، حيث يُبقى ليلاً استعدادًا لمراسم الدفن.
• الأحد: تُقام مراسم الدفن النهائية في بوندو، برعاية الكنيسة الأنغليكانية الكينية (ACK)، في وداعٍ رسمي وشعبي مهيب يجمع بين الحزن والرمزية الوطنية.
وداع يتجاوز السياسة
ولا تقتصر جنازة أودينغا على الجوانب البروتوكولية، بل تُعد لحظة وطنية للتأمل والوحدة.
فقد عُرف رايلا بين أنصاره بلقب “رئيس الشعب”، إذ قضى معظم حياته في صفوف المعارضة، مناضلاً ضد الاستبداد والفساد والتراخي السياسي.
وتحولت فترات اعتقاله وصراعاته السياسية ودفاعه عن الإصلاح الدستوري إلى محطات مفصلية في مسار تطور الديمقراطية الكينية.
إن تكريمه اليوم من قبل الدولة التي تحدّاها يوماً ما، يُجسّد العلاقة المعقدة — لكنها العميقة — بينه وبين السلطة.
ودعا نائب الرئيس كينديكي أنصار حزب ODM إلى التعاون مع الدولة خلال فترة الحداد، مؤكداً أن إرث رايلا أودينغا ملك لجميع الكينيين، لا لطيف سياسي بعينه.
وقال كينديكي: «هذه الجنازة ليست مجرد وداع لرايلا أودينغا السياسي، بل هي تعبير عن امتنان الأمة لرجلٍ قدّم الكثير لكينيا.»
ومع استعداد البلاد لمراسم الدفن يوم الأحد، تبدو اللحظة أكبر من كونها نهاية فصل، إنها مرآة تعكس تاريخ كينيا، وصراعاتها، وآمالها المتجددة.
ففي وداع رايلا، لا تدفن كينيا قائداً فحسب، بل تودّع حقبةً كاملة من نضالها الوطني.