زمزم عثمان
قليل من الكلمات في خطاب التنمية الحديثة انتشرت عالميًا مثل كلمة “التمكين”. فهي تتردد في خطابات الحكومات، وتقارير المنظمات غير الحكومية، واستراتيجيات المانحين — كمصطلح يرمز إلى التقدم ويعد بالتغيير. ومع ذلك في الصومال، لا يزال التمكين في الغالب كلمة طموحة أكثر منها واقعًا للتحول.
من لغة المساعدات إلى عملة سياسية
دخل مفهوم التمكين إلى القاموس الصومالي عبر برامج إعادة الإعمار بعد الحرب. فقد دعا المانحون إلى إشراك المرأة والشباب كشرط لتقديم المساعدات. وردد السياسيون هذه اللغة، متعهدين بـ”تمكين المرأة” و”إدماج المجتمع” لإظهار انفتاحهم وجذب التمويل.
ولكن بمرور الوقت، تحول التمكين إلى عملة سياسية أكثر منه هدفًا سياسيًا، وأصبح يُستخدم للإشارة إلى الحداثة لا لنقل السلطة. واتسعت الفجوة بين الخطاب والواقع، فبات المواطنون يعرفون الكلمة، لكن دون أن يلمسوا معناها الحقيقي.
تمثيل بلا سلطة
ينتهي مفهوم التمكين في الصومال غالبًا عند حدود التمثيل. تُمنح النساء والشباب مقاعد على الطاولة — لكن دون صوت فعلي. فحصة المرأة في البرلمان، رغم رمزيتها التاريخية، لا تزال شكلية إلى حد كبير، تمنح الظهور دون السلطة.
وبالمثل، تتم الإُشادة بالشباب باعتبارهم “مستقبل الأمة وقادة المستقبل” لكنهم نادرًا ما يؤثرون في حاضرها. تحول التمكين إلى تمثيل بلا إعادة توزيع — مجرد فرصة للتصوير لا لتغيير موازين القوة.
السياسة تتغلب على السياسات العامة
التمكين الحقيقي يتطلب قوانين مستقرة ومؤسسات فاعلة. أما في الصومال، فهو محاصر في دائرة المساومات السياسية، لا في مجال السياسات العامة. تعتمد الوزارات والمجالس المحلية على مشاريع المانحين التي تتوقف بانتهاء التمويل. ومن دون أطر وطنية للمساواة بين الجنسين والمشاركة المدنية وتوظيف الشباب، يصبح التمكين مؤقتًا — مرتبطًا بالأشخاص لا بالمبادئ.
المواطنة بلا وكالة
بعيدًا عن فئتي المرأة والشباب، يبقى غالبية الصوماليين بلا صوت سياسي. فالقرار محصور بيد قلة من النخب، فيما يكافح المواطنون للوصول إلى العدالة أو التأثير في الموازنات.
التمكين الحقيقي يعني أن يتمكن كل مواطن — رجلًا كان أو امرأة، من المدينة أو الريف — من المطالبة بالمحاسبة والمشاركة في تحديد أولويات الوطن. ومع ذلك، لا يزال النظام يتعامل مع الناس كعملاء لا كشركاء.
البعد الاقتصادي
التمكين بلا استقلال اقتصادي هشّ. فاقتصاد الصومال غير رسمي وغير متكافئ، ويقدم فرصًا محدودة في الائتمان أو الأمن الوظيفي. وعلى الرغم من أن النساء يقدن التجارة المحلية، فإنهن غالبًا ما يفتقرن إلى التمويل أو الحماية القانونية. أما الدورات التدريبية الممولة من المانحين فغالبًا ما تنتهي دون نتائج مستدامة.
التمكين الحقيقي يعني ربط التعليم بالتمويل والوصول إلى الأسواق — أي تزويد المواطنين بالأدوات التي تمكنهم من الاعتماد على أنفسهم.
العوائق الثقافية والاجتماعية
لا تزال التقاليد الأبوية والانتماءات القبلية تحد من المشاركة. فالنساء القياديات يواجهن العداء، والشباب أصحاب الأفكار الجديدة يُتهمون بانعدام الخبرة. تغيير هذه الثقافة يتطلب تثقيفًا مدنيًا ونماذج قيادية تُظهر أن القيادة خدمة لا امتياز.
التمكين ليس صراعًا، بل هو بناء قبول اجتماعي للمساواة والكفاءة.
الطريق إلى الأمام
مشكلة الصومال ليست في نقص الأفكار، بل في غياب التنفيذ. سيبقى التمكين شعارًا فارغًا حتى يعرف المواطنون — لا المانحون ولا النخب — معناه الحقيقي. يبدأ ذلك عندما تستطيع المرأة فتح مشروع دون إذن، والشاب تحدي السلطة دون خوف، والمجتمع تخطيط مستقبله دون انتظار موافقة المساعدات.
ذلك التحول يتطلب الثقة والتعليم والمساءلة — وهي الأدوات الحقيقية للتمكين.
الخاتمة
ينتشر مصطلح “التمكين” بسهولة بين اللغات والمؤسسات، لكنه نادرًا ما يغير الواقع. وفي الصومال، خدم السياسة أكثر مما خدم الناس.
ولكي يستعيد معناه، يجب أن يتحول التمكين من شعار مستعار إلى عقد اجتماعي — يُتَشارَك فيه بالسلطة، وتُصان فيه الحقوق، ويُسمع فيه صوت كل مواطن في رسم طريق الوطن.
عندها فقط سيبدأ هذا المصطلح، الذي انتشر في كل مكان، في إحداث التغيير الحقيقي.
الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر بوابة الصومال