الشكوى الصينية ضد شركة آبل: بوادر حرب تكنولوجية كبرى ؟

نيروبي: بيناديتا مواورا( خدمة دوان أفريكا)

تقدّم مجموعة من المستهلكين الصينيين بشكوى تاريخية لمكافحة الاحتكار ضد شركة آبل الأميركية، متهمين إياها بممارسات احتكارية داخل متجر التطبيقات (App Store)، في خطوة تجاوزت أصداؤها حدود بكين.

وقد رُفعت الشكوى إلى هيئة تنظيم السوق في الصين (SAMR)، وتتهم الشركة الأميركية بـ”إساءة استغلال هيمنتها السوقية” من خلال فرض عمولة بنسبة 30٪ وتقييد عمليات الشراء داخل التطبيقات بطريقة تحدّ من المنافسة.

وتُمثل هذه الخطوة تحديًا مباشرًا للنظام المغلق الذي تديره آبل في سوق يستخدم فيه أكثر من 600 مليون شخص هواتف آيفون وأجهزة آيباد.

وتأتي القضية في توقيت حساس، إذ حذّرت منظمة التجارة العالمية (WTO) قبل أيام قليلة من أن تصاعد التوترات التجارية والتكنولوجية بين الصين والولايات المتحدة قد يؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي العالمي بنسبة تصل إلى 7٪ إذا استمر دون ضوابط.

وقالت المديرة العامة للمنظمة، نغوزي أوكونجو إيويالا: “لم تعد الحروب التجارية والتكنولوجية تتعلق بالرسوم الجمركية، بل تتعلق بالسيطرة على القوة الرقمية”،
داعية القوتين الاقتصاديتين إلى خفض التوترات “من أجل مصلحة العالم بأسره.”

حرب تتجاوز التكنولوجيا والتجارة

تُعد شكوى آبل واحدة من نقاط الاشتعال في المنافسة المتسعة بين القوتين. فالصين تعمل على تشديد الرقابة على شركات التكنولوجيا الأجنبية بالتوازي مع تنفيذ خطتها الخمسية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في التكنولوجيا، ولا سيما في مجالات أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية.

وفي المقابل، فرضت الولايات المتحدة قيودًا جديدة على تصدير الرقائق عالية الأداء إلى الصين، في خطوة وصفتها بكين بأنها “احتواء اقتصادي”، بينما تقول واشنطن إنها تهدف إلى حماية الأمن القومي.

ويرى الخبراء أن هذا التصعيد المتبادل أدى إلى نشوء ما يُعرف بـ “الحرب الباردة الرقمية” التي تُجزّئ سلاسل الإمداد العالمية التي كانت تربط بين وادي السيليكون وشنتشن.ً

الاقتصاد الرقمي الإفريقي: ضحية أم فرصة؟

بالنسبة لإفريقيا، وخاصة المشهد التكنولوجي المزدهر في كينيا، فإن هذا الصراع ليس مجرد نزاع بعيد. فالقارة تعتمد بشكل كبير على البرمجيات الأميركية والأجهزة الصينية في آنٍ واحد.

فمتجر تطبيقات آبل هو المنصة الأساسية لمئات المطورين الأفارقة للوصول إلى المستخدمين حول العالم، وأي تغييرات تنظيمية في الصين قد تُجبر آبل على إعادة النظر في نظام العمولات أو فتح أسواق بديلة للتطبيقات — وهو ما قد يعود بالنفع على المطورين الصغار.

وفي المقابل، تهيمن الشركات الصينية مثل هواوي (Huawei) وترانسيون (Transsion) على سوق الهواتف الذكية في إفريقيا. وأي إجراءات انتقامية بين واشنطن وبكين قد تؤدي إلى اضطرابات في سلاسل الإمداد، وارتفاع تكاليف الاستيراد، وتأخير وصول الأجهزة منخفضة التكلفة.

وحذّر خبراء الاقتصاد من أن تحوّل المنصات الرقمية إلى أدوات صراع جيوسياسي يشكّل خطرًا على الاقتصادات الناشئة، داعين إلى تطوير حلول إفريقية مستقلة قادرة على الصمود خارج ظل الولايات المتحدة والصين.

دروس لكينيا ومستقبلها الرقمي

تسعى كينيا بدورها إلى تنظيم أصولها الرقمية وتعزيز سيادتها على بياناتها. ومع إقرار قانون مقدّمي خدمات الأصول الافتراضية لعام 2025 (VASP Bill)، أرسلت نيروبي إشارة واضحة بأنها تريد بناء اقتصاد رقمي خاضع لإشراف محلي — وهو ما لا تزال العديد من الدول الإفريقية تكافح لتحقيقه.

ويؤكد خبراء الاقتصاد أن على كينيا أن تتجاوز مرحلة التنظيم نحو تنويع شراكاتها الرقمية، والاستثمار في بنية تحتية سحابية محلية، وتطوير منصات إفريقية مشتركة تقلل الاعتماد المفرط على الشرق أو الغرب.

وقال المحلل السياسي موتيسو كيلونزو: “يجب ألا تكون إفريقيا ساحة قتال للعمالقة الرقميين، بل أرضًا تنشأ فيها قوى رقمية جديدة.”

الصورة الأوسع

بالنسبة لشركة آبل، قد تؤدي هذه الشكوى إلى سنوات من المرافعات القانونية والرقابة التنظيمية في الصين. أما بالنسبة للعالم، فهي إشارة إلى أن التنافس الأميركي–الصيني دخل مرحلة جديدة تُعيد تشكيل العلاقة بين التكنولوجيا والتجارة والثقة. أما بالنسبة لكينيا وإفريقيا، فإن الرسالة واضحة:

السيادة الرقمية لم تعد مجرد شعار — بل أصبحت مسألة بقاء اقتصادي.