بقلم/ لينيت أمولي- خدمة دوان أفريكا.
توفي زعيم المعارضة الكينية البارز رايلا أمولو أودينغا، الرجل الذي كان أنصاره يلقبونه بمحبة بـ “رئيس الشعب”، عن عمر يناهز الثمانين عاماً أثناء تلقيه العلاج في الهند.
وفاته التي وقعت يوم الأربعاء، 15 أكتوبر 2025، أنهت فصلاً سياسياً طويلاً شكّل مسار الديمقراطية في كينيا، وألهم أجيالاً متعاقبة، ودفع الأمة إلى مطالبة قادتها بالمساءلة أمام الشعب.
رئيس بلا قصر
بالنسبة لمُحبيه، لم يكن رايلا أودينغا بحاجة إلى القصر الرئاسي ليكون رئيسهم.
رئاسته كانت روحية أكثر منها رسمية، نابعة من إيمان ومحبة الناس الذين رأوا فيه انعكاساً لمعاناتهم ونضالهم.
لقد جسّد روح التحدي والصمود والإيمان بأن السلطة الحقيقية ملك للمواطن.
وقد أصبح لقب “رئيس الشعب” راسخاً في الذاكرة الوطنية في 30 يناير 2018، عندما وقف أمام حشد ضخم في حديقة أوهورو بارك وأدى قَسَماً رمزياً لتولي الرئاسة بعد أن رفض نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2017.
كان الحدث مثيراً للجدل بقدر ما كان تاريخياً، إذ ثبّت مكانة رايلا في الوعي الجمعي الكيني، لا بصفته حاكماً، بل رمزاً حياً للمقاومة ضد الظلم الانتخابي.
بالنسبة لكثير من الكينيين، ولا سيما أولئك الذين شعروا بالتهميش أو الإقصاء، لم يكن ذلك اليوم يوماً سياسياً.
بل كان يوماً لاستعادة الصوت، واسترداد الكرامة في نظام شعروا أنه خذلهم.
قال أحد مؤيديه في ذلك الوقت “رايلا لم يكن يقاتل من أجل الأصوات، بل كان يقاتل من أجلنا.”
نشأة “بابا”
وُلِد رايلا أودينغا عام 1945 في ماسينو، بمقاطعة كيسومو، وقد ورث عن والده جيراموجي أوغينغا أودينغا — أول نائب رئيس في كينيا وأحد رواد المعارضة — الكاريزما والشجاعة.
تلقى تعليمه في ألمانيا الشرقية، وهناك تَشَكّلَت رؤيته للعالم على أساس المبادئ الاشتراكية للمساواة والعدالة الاجتماعية، وهي القيم التي ظلت بوصلة لمسيرته السياسية الطويلة.
من الاعتقال في عهد دانيال أراب موي إلى خمس محاولات فاشلة للترشح للرئاسة، كانت قصة رايلا رحلة كفاح لا تنتهي — ليس سعياً وراء السلطة لذاتها، بل من أجل مبدأ أن الحكومة يجب أن تخدم شعبها.
كان وجه المعارضة في سنوات كينيا المضطربة، ودفع بقوة نحو التعددية الحزبية، والإصلاح الدستوري، والتوزيع العادل للموارد الوطنية.
وبصفته رئيساً للوزراء بين عامي 2008 و2013، ساهم أودينغا في قيادة البلاد خلال مرحلة سلام هشة بعد الانتخابات، وأشرف على اعتماد دستور عام 2010، وهو لحظة حققت جزءاً من حلمه القديم في بناء كينيا أكثر شمولاً وعدلاً.
رمز أكبر من السياسة
حتى بعد أن ظلت السلطة الرسمية بعيدة عنه، لم يخفت تأثير أودينغا.
كانت تجمعاته الشعبية تحشد عشرات الآلاف، وكلماته تثير النقاش في البرلمان والشارع على حد سواء، واسمه كان يحمل معنى الأمل والإمكانية.
بالنسبة لأنصاره، كان ضمير الأمة — من تجرأ حين خاف الآخرون.
اتهمه خصومه بتأجيج الانقسام، لكنهم لم ينكروا قدرته الفريدة على التواصل مع المواطن العادي.
في كيبيرا أو كيسومو أو كيتالي، كان رايلا يستمع، ويتعاطف، ويُلهم.
كانت سياسته تقوم على الانتماء قبل القيادة.
شعاره الشهير “بابا حين كنت بعيداً” أصبح اختصاراً للمحبة التي يكنها له الملايين، وتذكيراً بأنه حتى وهو خارج السلطة، ظل حاضراً في قلب كينيا الجماعي.
رئيس الشعب… إلى الأبد
توفي رايلا أودينغا صباح الثلاثاء إثر نوبة قلبية في نيودلهي بالهند.
وأكدت عائلته الخبر، فتدفقت برقيات التعزية من قادة أفريقيا، وعمّ الحزن أرجاء البلاد.
نُظّمت وقفات تأبين في كيسومو ونيروبي ومومباسا — المدن التي كانت طيلة عقود تردد صدى الهتافات: “بابا! بابا!”
سيُذكر رايلا أودينغا كرئيس الشعب، لا لأنه جلس على كرسي الحكم، بل لأنه أسر روح الأمة.
ناضل من أجل الديمقراطية حين كان النضال خطراً، وأعطى صوتاً للمهمشين، وألهم حركة أعادت تعريف الهوية السياسية لكينيا.
برحيله، لا تفقد كينيا سياسياً فحسب، بل رمزاً وطنياً.
تذكيراً بأن القيادة الحقيقية لا تُمنح بلقب أو منصب، بل تُكسب بالحب والثقة والإيمان من الناس.
رايلا أمولو أودينغا، رئيس الشعب، رحل جسداً، لكن روح نضاله باقية.