إرث سياد بري: بين الحنين للماضي والمراجعة الضرورية (مقال رأي)

بقلم/ علي حَلَني*

تشهد الساحة الإعلامية الصومالية في الآونة الأخيرة، بشقّيها التقليدي والحديث، موجةً من النقاشات حول نظام الحكم العسكري الذي حكم البلاد واحدًا وعشرين عامًا (1969–1990) بقيادة الرئيس محمد سياد بري، والذي يُطلق عليه البعض اسم “ثورة أكتوبر”

وقد اتخذت معظم هذه النقاشات طابعًا متطرفًا؛ ففريق منها يُمجّد النظام الذي انهار قبل 35 عامًا، ويصفه بأنه العصر الذهبي في تاريخ الصومال متجنبًا حتى أبسط أشكال النقد،
في حين يُدين الفريق الآخر النظام بالكامل، معتبرًا إياه المسؤول عن جميع مشكلات البلاد الحالية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، دون أن يعترف له بأي إنجاز يُذكر.
وبين هذين الطرفين المتناقضين تاهت الكثير من الحقائق، لا سيما عن الأجيال الجديدة التي وُلدت بعد تلك الحقبة.

ورغم أن كتابة التاريخ – قديمه وحديثه – هي من اختصاص الأكاديميين القادرين على التمييز بين الحقيقة والمبالغة، إلا أن الواقع يؤكد أن تاريخ سياد بري والنظام العسكري الذي قاده طوال 21 عامًا لم يُكتب بعدُ بصورة منصفة.
فمعظم الروايات المتوفرة اليوم تُهيمن عليها العواطف والانحيازات؛ فإما إعجاب مطلق بسياسات النظام الداخلية والخارجية، أو إنكار كامل لأي إنجازاته.
وهذا النمط لا يقتصر على حقبة سياد بري فحسب، بل يمتد ليشمل معظم مراحل التاريخ الصومالي الحديث على مدى القرن والنصف الماضي.

وبغض النظر عن تباين الآراء، أود أن أُشير إلى نقطتين أساسيتين:

أولًا: إن الانشغال بالماضي لا يُجدي نفعًا، لأننا لا نستطيع تغييره، وما ينبغي علينا فعله هو استخلاص الدروس والعِبَر منه. وهذه مسؤولية تقع على عاتق القيادة السياسية، لا على المواطنين المنشغلين بتأمين قوت يومهم وسط مؤسسات دولة هشة عاجزة عن تقديم أي خدمات تُذكر.

ثانيًا: إن أي تقييم سياسي أو أكاديمي لذلك النظام يجب أن يُنظر إليه بوصفه منظومة متكاملة، لا من خلال أشخاص أو انتماءات قبلية بعينها.
صحيح أن رأس النظام يتحمّل الجزء الأكبر من المسؤولية عن أفعال تلك السلطة، سلبًا أو إيجابًا،
لكن تجاهل أدوار الآخرين – من عسكريين ومدنيين – الذين عملوا تحت إمرته، ليس من العدالة في شيء.
ولذلك، يجب أن ننظر إلى تلك الحقبة بعين الإنصاف والتوازن، باعتبارها جزءًا من تاريخنا المشترك بكل ما فيه من إيجابيات وسلبيات، لا كصفحة تخص قبيلة أو فئة بعينها.

آخر الكلام:
ينبغي أن نُوجّه اهتمامنا اليوم إلى النخبة الحاكمة الحالية التي تُؤثر قراراتها في حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية،
وأن نتحلّى بالشجاعة في محاسبتها وانتقادها بالقدر نفسه من الجرأة التي نظهرها عند الحديث عن النظام العسكري السابق.
فالماضي تاريخ مضى، أما الحاضر فهو واقع نعيشه،
وأي أمة تنغمس في ماضيها وتغفل عن حاضرها هي أمة محكومٌ عليها بالتيه والضياع.

*علي حلني صحفي وباحث صومالي متخصص في الشؤون الإفريقية والشرق أوسطية، وعصو مؤسس للبرلمان الثقافي الصومالي.

**الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، ولا تعكس بالضرورة موقف “بوابة الصومال”.