بقلم: عبدي معلم *
تقف الصومال اليوم عند مفترق طرق حاسم، في ظل تصاعد الأزمات العالمية التي تقوّض الأنظمة التي كانت تشكّل في السابق حائط صدّ للدول الضعيفة. ومع تفاقم الاضطرابات في الشرق الأوسط، إلى جانب توسع التنافس الجيوسياسي واستمرار الحرب في أوكرانيا، تتسارع وتيرة اهتزاز النظام العالمي الذي يعاني أصلًا من ضغوط هائلة.
في ظل هذا الانقسام المتزايد في التعاون الدولي نتيجة تعدد الأزمات وتشابكها، تجد الصومال نفسها أكثر عرضة للتأثر بتداعيات اضطراب سلاسل الإمداد العالمية، وارتفاع معدلات التضخم، وتراجع الدعم الخارجي.
طوال أكثر من ثلاثة عقود، اعتمدت الصومال على نموذج قائم على المساعدات الدولية. ففي عام 2022، تلقت البلاد ما يقارب 1.94 مليار دولار أمريكي كمساعدات تنموية رسمية، وهو ما شكّل أكثر من 30% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2023، وفقًا لبيانات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية والبنك الدولي.
ومع ذلك، لا يزال الإنتاج المحلي من الغذاء محدودًا للغاية. ففي عام 2024، بلغ إنتاج الصومال من الحبوب 127 ألف طن فقط، أي أقل بنسبة 18% من متوسط السنوات الخمس الماضية. ولم يغط هذا الإنتاج سوى 20% من احتياجات الفرد من الحبوب في البلاد، بينما يعتمد الجزء الأكبر على الواردات التي أصبحت أكثر تكلفة وأصعب توفرًا بسبب تصاعد الاضطرابات العالمية.
لم يعد المجتمع الدولي، الذي كان يومًا العمود الفقري للدعم الإنساني والسياسي للصومال، يؤدي دوره السابق. فقد انخفضت ميزانيات المساعدات العالمية بنسبة 7% في عام 2024. وكانت الولايات المتحدة عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) تغطي في السابق نحو 65% من محفظة المساعدات المقدمة للصومال، إلا أن التخفيضات الأخيرة في التمويل أدت إلى إغلاق مراكز التغذية، ووضعت أكثر من 55 ألف طفل صومالي في دائرة الخطر المباشر من سوء التغذية الحاد، بحسب تقارير إنسانية صادرة في أواخر عام 2024.
هذه الأزمة لا تقتصر على البعد الإنساني فحسب، بل تمثل أيضًا نقطة تحول استراتيجية. ولم يعد بإمكان الصومال الاعتماد على شرايين الحياة الخارجية التي يتضح ضعفها يومًا بعد يوم. وتقع المسؤولية الآن على عاتق الأطراف الوطنية، بما في ذلك الحكومة الفيدرالية والولايات وقادة المعارضة، للتعامل مع هذه التحديات بوصفها أولويات وطنية عاجلة لا مجرد أهداف تنموية بعيدة المدى.
ينبغي أن يبدأ المسار المستقبلي بإعادة بناء القدرات المحلية في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية، بالتوازي مع تطوير استراتيجيات للاستفادة من الموارد الطبيعية في البلاد، مثل النفط والغاز والمعادن والطاقة الشمسية والثروات البحرية.
إن تقليل الاعتماد على الأسواق العالمية يتطلب مبادرات محلية مسؤولة، واستقرارًا سياسيًا مستدامًا، فضلًا عن سياسات وطنية منسقة وأولويات واضحة، وتعزيز الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة. ويتعين على الفاعلين المحليين من جامعات ومراكز بحث ، ومجتمع مدني وقطاع خاص أن يقودوا هذا الجهد بدلاً من انتظار الحلول القادمة من المانحين الدوليين.
إن موقع الصومال خارج ساحات الصراع العالمي المباشر يمثل فرصة ضيقة، لكنها ثمينة لتركيز الجهود نحو الداخل. إلا أن الحياد دون استعداد لا يمثل استراتيجية، بل يزيد من حجم المخاطر. مستقبل الأمن الغذائي والاستقرار السياسي والنجاة الاقتصادية للصومال بات اليوم معتمدًا على القرارات التي تُتخذ داخليًا أكثر من اعتماده على وعود المساعدة من الخارج.
* عبدي معلم هو محلل في الشؤون الأمنية والسياسية، متخصص في أنظمة الإنذار المبكر في الدول الهشة والجغرافيا السياسية للتفاعلات الإقليمية.
** الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة موقف منصة بوابة الصومال.