الافتتاحية: البحر الأحمر مقابل النيل – صراع القوى والموانئ والحرب الباردة الإقليمية الجديدة.
تشهد منطقة القرن الإفريقي والشرق الأوسط تطورات متسارعة تشي بولادة حرب باردة إقليمية، تتقاطع فيها ملفات المياه والموانئ والنفوذ الاستراتيجي. لم تعد قضايا البحر الأحمر ونهر النيل مجرد ملفات سيادية أو تنموية، بل تحوّلت إلى أدوات ضغط ومناورة في صراع جيوسياسي يزداد احتداماً.
في قلب هذا المشهد، تقف مصر وإثيوبيا على طرفي نقيض. الأولى تسعى إلى حماية شريانها الحيوي – نهر النيل – الذي تعتمد عليه في أمنها المائي، فيما تسعى الثانية إلى كسر عزلتها الجغرافية عبر منفذ بحري يفتح لها أبواب التجارة والهيمنة الإقليمية. مصر تستخدم أوراقها الدبلوماسية والإقليمية لمنع أديس أبابا من الوصول إلى البحر الأحمر، بينما تراهن إثيوبيا على تشديد قبضتها على منابع النيل من خلال استكمال مشروع سد النهضة المثير للجدل.
التحالفات في هذا السياق بدأت تتبلور. فمصر تعمّق تعاونها مع قطر، التي دخلت بقوة على خط التوازنات في القرن الإفريقي، واستضافت مؤخراً رئيس “صوماليلاند” في خطوة تحمل رسائل متعددة الاتجاهات. في المقابل، تجد إثيوبيا في الإمارات شريكاً استراتيجياً داعماً لطموحاتها، من تمويل مشاريع البنية التحتية إلى الاستثمار في الموانئ ذات الأهمية الجيوسياسية.
وقد جاءت ردود الأفعال سريعة. إعلان إثيوبيا اكتمال سد النهضة أثار حفيظة القاهرة التي سارعت إلى التشكيك في نوايا أديس أبابا. تبعه تحرك دبلوماسي مصري عاجل تمثّل في زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى القاهرة، في مشهد يعكس التقاء المصالح بين الطرفين في مواجهة التحدي الإثيوبي.
في الوقت نفسه، ظهرت مؤشرات أخرى على التوتر الإقليمي، من بينها اتهام إريتريا بالتورط مجدداً في نزاع تيغراي، وتصريحات نادرة من جيبوتي تتهم فيها الإمارات بتقويض وحدة إفريقيا، في إشارة إلى تحركاتها تجاه “صوماليلاند”.
إن تداخل المصالح بين دول المنطقة والقوى الخليجية، وتحوّل قضايا المياه والموانئ إلى أدوات صراع استراتيجي، ينذر بمزيد من التصعيد في غياب أطر واضحة للتسوية أو الحوار. وإذا لم تتحرك الأطراف الإقليمية والدولية لاحتواء هذا التوتر، فإن البحر الأحمر والنيل قد يتحوّلان إلى ساحة مواجهة مفتوحة، تتجاوز حدود الدول المعنية لتطال أمن واستقرار المنطقة بأسرها.