بقلم: عمر عبدلّي “طغي”
مرة أخرى يجد الصومال نفسه عند مفترق طرق. فلا يزال قادته السياسيون منقسمين حول كيفية إجراء الانتخابات المقبلة، بينما ينتظر المواطنون العاديون بفارغ الصبر فرصة الإدلاء بأصوات ذات معنى.
لقد استهلك الجدل حول اعتماد نظام الاقتراع العام “شخص واحد، صوت واحد” أو الإبقاء على النموذج غير المباشر القائم على العشائر سنوات طويلة من النقاش الوطني. وما يحتاجه الصومال اليوم ليس جولة أخرى من المأزق السياسي، بل توافق يضع الشعب – لا السياسيين – في قلب العملية الديمقراطية.
دور الحكومة والمعارضة
تقع على عاتق الحكومة مسؤولية إعداد إطار انتخابي متين قانونياً وذا مصداقية مؤسسية. أما المعارضة، فعليها أن تمارس النقد البنّاء وتطرح بدائل قابلة للتنفيذ. وحده الحوار يمكن أن يقود الطرفين إلى اتفاق يخدم فعلاً الشعب الصومالي. فجوهر المسألة لا يتعلق بأي حزب أو قائد يستفيد، بل بالاستقرار والوحدة وبقاء الدولة.
مسار مرحلي إلى الأمام
يوجد مسار للخروج. بدلاً من تصوير مسألة الانتخابات على أنها معركة صفرية بين الاقتراع العام والاقتراع غير المباشر، يمكن للصومال أن يتبنى نهجاً مرحلياً. إن تجربة “شخص واحد، صوت واحد” على المستوى المحلي ستوفر دروساً مهمة، مع تجنب خطر تكرار أخطاء الماضي على المستوى الوطني. مثل هذا الطريق، إذا ارتبط بجدول زمني واضح ودُعم بإرادة سياسية، قد يمهّد لانتخابات موثوقة على مستوى الولايات والدولة مستقبلاً.
مؤسسات مستقلة وشاملة
لكن القوانين على الورق لا تعني الكثير من دون مؤسسات يُوثق بها لتنفيذها. يحتاج الصومال بشكل عاجل إلى لجنة انتخابات مستقلة تُعيَّن بشكل مشترك من قبل الحكومة والبرلمان والولايات الفيدرالية والمجتمع المدني، بحيث لا يمكن لأي طرف سياسي السيطرة عليها. ويجب أن يقترن ذلك بتعاون حقيقي بين مقديشو والولايات الفيدرالية، حيث أدى انعدام الثقة غالباً إلى تحويل الانتخابات إلى ساحات صراع موازية على السلطة.
الأمن أولاً
يبقى الأمن تحدياً حاسماً آخر. ومع بقاء حركة الشباب قادرة على تعطيل العمليات الوطنية، لن تنجح أي انتخابات من دون خطة أمنية موحدة يتفق عليها جميع الأطراف ويحظى بدعم بعثة الاتحاد الأفريقي (ATMIS) والمجتمعات المحلية على حد سواء. حماية مراكز الاقتراع والمرشحين والناخبين يجب أن تكون أولوية إذا أريد للعملية أن تكون ذات مصداقية.
الإدماج كضمانة
لا يقل شأناً موضوع الإدماج. فلا يمكن أن يستمر تهميش النساء والشباب والأقليات والفئات المهمشة في نظام سياسي تهيمن عليه النخب العشائرية. إن فرض حصص وضمان تمثيل عادل ليس مسألة إنصاف فحسب، بل هو أيضاً ضمانة ضد عدم الاستقرار من خلال منح كل صوت مكانه في النظام.
حل النزاعات سلمياً
أخيراً، يجب على الصومال أن يؤسس آلية ذات مصداقية لحل النزاعات الانتخابية. فقد انتهت انتخابات كثيرة في الماضي باتهامات بالتزوير والترهيب وسوء الإدارة. ومن دون محكمة محايدة أو هيئة تحكيم للفصل في الخلافات، سيظل المرشحون الخاسرون ميالين إلى رفض النتائج واللجوء إلى العنف.
المسؤولية المشتركة
يمكن للمجتمع المدني والشيوخ والعلماء أن يلعبوا دوراً محورياً في بناء الثقة حول هذه العملية، في حين ينبغي على الشركاء الدوليين أن يدعموا بالموارد والخبرة – لا أن يفرضوا النتائج. أما المسؤولية النهائية فتبقى على عاتق القادة الصوماليين أنفسهم.
ختاما: انتخابات الشعب
لقد سئم الصوماليون من الجدل السياسي الذي لا ينتهي ويتجاهل أصواتهم. إنهم يتطلعون إلى الكرامة، إلى التمثيل، إلى صوت حقيقي يحدث فرقاً. واليوم، تقع على عاتق الحكومة والمعارضة مسؤولية تاريخية: أن يتجاوزوا المصالح الضيقة، وأن يرتفعوا فوق الحسابات العشائرية، وأن يتفقوا على عملية انتخابية تمكّن الشعب.
مستقبل الصومال معلق في الميزان. فإما أن يشق طريقاً نحو انتخابات تعطي القوة للشعب، أو أن يسقط مرة أخرى في دورة مألوفة من انعدام الثقة والفوضى. الخيار بأيدي قادته – لكن نتائجه سيتحملها الشعب.
عمر عبدُلّي طغي” هو قانوني وسياسي صومالي متخصص في شؤون الحوكمة والإصلاح المؤسسي.
البريد الإلكتروني:
omardhagey@gmail.com
*هذا المقال نشر باللغة الإنحليزية في موقع الزميلة “دوان أفريكا” والترحمة من منصة “
بوابة الصومال”
—————
- الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس بالضرورة موقف بوابة الصومال.